المراد بقوله في المختصر قوله: (ولو غرب بما يرى صح) أي جاز. فسر التغريب في النهاية بالحبس وهو أحسن وأسكن للفتنة من نفيه إلى إقليم آخر لأنه بالنفي يعود مفسدا كما كان ولهذا كان الحبس حدا في ابتداء الاسلام دون النفي وحمل النفي المذكور في قطاع الطريق عليه. وفي الظهيرية: والزاني إذا ضرب الحد لا يحبس والسارق إذا قطع يحبس حتى يتوب اه. وظاهر كلامهم ههنا أن السياسة هي فعل شئ من الحاكم لمصلحة يراها وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي قوله: (والمريض يرجم ولا يجلد حتى يبرأ) لأن الاتلاف مستحق في الرجم فلا يمنع بسبب المرض وفي الجلد غير مستحق وهو في حالة المرض يفضي إلى الهلاك ولهذا لا يقام القطع عند شدة الحر والبرد. واستثنى في الظهيرية أن يكون مريضا وقع اليأس عن برئه فحينئذ يقام عليه اه. قيد بالمريض لو لأنه كان ضعيف الخلقة بحيث لا يرجى برؤه فخيف عليه الهلاك إذا ضرب يجلد جلدا خفيفا مقدار ما يحتمله لما روي أن رجلا ضعيفا زنى فذكر ذلك سعد بن عبادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك الرجل مسلما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اضربوه حده. فقالوا: يا رسول الله أنه ضعيف بحيث لو ضربناه مائة قتلناه فقال عليه الصلاة والسلام: خذوا عثكالا فيه مائة شمراخ ثم اضربوه ضربة واحدة. قال: ففعلوه. رواه أحمد وابن ماجة. والعثكال والعثكول عنقود النخل، والشمراخ شعبة منه وهو بالعين المهملة والثاء المثلثة، كذا في المغرب قوله:
(والحامل لا تحد حتى تلد وتخرج من نفاسها لو كان حدها الجلد) لأن النفاس نوع مرض فيؤخر إلى زمان البرء. وقيد بحد الجلد لأنه لو كان حدها الرجم. رحمت إذا ولدت من غير تأخير لأن التأخير لأجل الولد وقد انفصل. وعن أبي حنيفة أن الرجم يؤخر إلى أن يستغني ولدها عنها إذا لم يكن أحد يقوم بتربيته لأن في التأخير صيانة الولد عن الضياع، وقد روي أنه عليه السلام قال للغامدية بعدما وضعت: ارجعي حتى يستغني ولدك.
وظاهر المختار أن هذه الرواية هي المذهب فإنه اقتصر عليها ولم يذكر المصنف أنها تحبس إذا كانت حاملا. قال في الهداية: ثم الحبلى تحبس إلى أن تلد إن كان الحد ثابتا بالبينة كيلا تهرب بخلاف الاقرار والله أعلم.