البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٩
مقام لفظ الزنا فلو شهدوا أنه وطئها وطئا محرما لا يثبت به. وأشار بقوله بالزنا إلى أنه لو شهد رجلان أنه زنى وآخران أنه أقر بالزنا فإنه لا يحد. قال في الظهيرية: ولا تحد الشهود أيضا، وإن شهد ثلاثة بالزنا وشهد الرابع على الاقرار بالزنا فعلى الثلاثة الحد اه‍. لأن شهادة الواحد على الاقرار لا تعتبر فبقي كلام الثلاثة قذفا.
قوله: (فسألهم الإمام عن ماهيته وكيفيته ومكانه وزمانه والمزنية) أي سأل الحاكم الشهود عن ماهيته أي ذاته وهو إدخال الفرج في الفرج لاحتمال أنهم عنوا غير الفعل في الفرج كما قال عليه السلام العينان تزنيان وزناهما النظر (1) الحديث. ومن الناس من يظن كل وطئ حرام زنا يوجب الحد، وظاهر كلامهم أنه ليس المراد بالماهية الحقيقة الشرعية كما بيناه والكيفية هي الطواعية والكراهية وعن المكان لاحتمال أنه زنا في دار الحرب فلا حد عليه، وعن الزمان لجواز تقادم العهد ولجواز أنه زنا في زمن صباه، وعن المزنية لجواز أن تكون جارية ابنه أو أمة مكاتبه فليستقص القاضي في ذلك احتيالا لدرء الحد. وفي فتح القدير: وقياسه في الشهادة على زنا امرأة أن يسألهم عن الزاني بها من هو فإن فيه أيضا الاحتمال المذكور وزيادة وهو جواز كونه صبيا أو مجنونا بأن مكنت أحدهما فإنه لا حد عليها عند الإمام اه‍. وأشار المصنف إلى أنه لو سألهم فلم يزيدوا على قولهم أنهم زنيا فلا حد على والمشهود عليه قالوا: لا على الشهود لأنهم شهدوا بالزنا ولم يثبت قذفهم لأنهم لم يذكروا ما ينفي كون ما ذكروه زنا ليظهر قذفهم بخلاف ما لو وصفوه بغير صفته فإنهم يحدون ولو بين ثلاثة ولم يزاد واحد على الزنا لا يحد، وما وقع في أصل المبسوط من أن الرابع لو قال أشهد أنه زان فسئل عن صفته ولم يصفه أنه يحد يحمل على أنه قاله للقاضي في مجلس غير المجلس الذي شهد فيه الثلاثة، كذا في فتح القدير. وإلى أنهم لو شهدوا بأنه زنى بامرأة لا يعرفونها لا يحد. قال في المحيط: لا يحد وإن قال ليست بامرأتي، وإن أقر أنه زنى بامرأة لا يعرفها يحد لأنه غير متهم في الاقرار على نفسه لأنه عارف بحاله بخلاف الشاهد لأنه متهم اه‍.
وفي الخانية: شهدوا أنه زنى بامرأة لا يعرفونها ثم قالوا بفلانة لا يحد الرجل ولا الشهود اه‍.
قوله: (فإن بينوه وقالوا رأيناه وطئها كالميل في المكحلة وعدلوا سرا وجهرا حكم به) لظهور الحق ووجوب الحكم به على القاضي. والمكحلة بضم الميم والحاء. وقولهم وطئها كالميل في المكحلة راجع إلى بيان الكيفية وهو زيادة بيان احتيالا للدرء وإلا السؤال عن ماهيته كاف مع أن ظاهر كلامهم أن الحكم موقوف على بيانه. ولم يكتف هنا بظاهر العدالة اتفاقا بأن يقال هو مسلم ليس بظاهر الفسق احتيالا للدرء بخلاف سائر الحقوق عند الإمام وسيأتي بيان التعديل سرا وعلانية إن شاء الله تعالى. وحاصل التعديل سرا أن يبعث القاضي ورقة فيها أسماؤهم
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»
الفهرست