البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٤٤٢
(البقرة: 282) أمر بالاشهاد للتوثق، فلو كان له الخيار لم يكن له معنى. وبقوله عليه الصلاة والسلام لحبان بن منقذ إذا بايعت فقل لا خلابة (1) ولو كان له خيار لم يحتج إليه اه‍. وفيه نظر لجواز أن يكون الكل بعد الافتراق لا قبله. ورجح عيسى بن أبان الأول بأن المعهود في الشرع أن الفرقة بالبدن موجبة للفساد كما في الصرف حال القبض. واختلف المتأخرون في معنى التفرق بالأقوال ففي المستصفى وفتح القدير: وهو أن يقول الآخر بعد الايجاب لا أقبل فالتفرق رد القول الأول كتفرق بني إسرائيل اثنين وسبعين فرقة بمعنى اختلاف عقائدهم.
وفي غاية البيان: هو قبول الآخر بعد الايجاب فإذا قبله فقد تفرقا وانقطع الخيار كتفرق الزوجين. فعلى الأول إذا وجد التفرق لم يبق البيع أصلا، وعلى الثاني لم يبق الخيار ولزم البيع، وقد فهم الراوي - أعني ابن عمر رضي الله عنهما - خيار المجلس من الحديث فكان كما رواه البخاري إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه لكن تأويل الراوي لا يكون حجة عندنا على غيره. وفي فتح الباري عن ابن خمر أن خيار المجلس ثابت بهذا الحديث، سواء قلنا التفرق بالكلام أو بالأبدان. فإن قلنا بالأبدان فواضح، وكذا إن قلنا بالأقوال لأن قول أحدهما بعتكه بعشرة وقول الآخر لا بل بعشرين افتراق في الكلام بخلاف ما لو قال اشتريته بعشرة فإنهما متوافقان فيتعين ثبوت الخيار لهما. فعلى هذا إذا وجد التفرق انقطع البيع لا أنه ينقطع الخيار، وظاهر الحديث انقطاع الخيار به مع بقاء العقد، وإذا احتمل فلم يبق حجة على معين وقد روى البخاري رواية أخرى عن ابن عمر مرفوعا إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر وكانا جميعا، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع (2) وهو ظاهر في انفساخ البيع بفسخ أحدهما. قال الخطابي رحمه الله تعالى: هو أوضح شئ في ثبوت خيار المجلس مبطل لكل تأويل مخالف لظاهر الحديث. وكذلك قوله في آخره وإن تفرقا بعد أن تبايعا فيه البيان الواضح على أن التفرق بالأبدان، ولو كان معناه بالقول لخلا الحديث عن الفائدة، كذا في فتح الباري. وأطلق في الايجاب والقبول ولم يقيدهما بالماضي كما في الهداية لأن التحقيق أنه لا يتقيد بذلك لانعقاده بكل لفظين ينبئان عن معنى التملك والتمليك ماضيين أو حالين كما في الخانية لكن ينعقد بالماضي بلا نية، وبالمضارع بها على الأصح، كذا في البدائع. وإنما احتيج إليها مع كونه حقيقة للحال عندنا على الأصح لغلبة استعماله في الاستقبال حقيقة أو مجازا، كذا في البدائع
(٤٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 437 438 439 440 441 442 443 444 445 446 447 ... » »»
الفهرست