قوله: (ومن بنى مسجدا لم يزل ملكه عنه حتى يفرزه عن ملكه بطريقه ويأذن بالصلاة فيه وإذا صلى فيه واحد زال ملكه) أما الافراز فإنه لا يخلص لله تعالى إلا به، وأما الصلاة فيه فلانه لا بد من التسليم عند أبي حنيفة ومحمد فيشترط تسليم نوعه وذلك في المسجد بالصلاة فيه أو لأنه لما تعذر القبض يقام تحقق المقصود مقامه، ثم يكتفي بصلاة الواحد لأن فعل الجنس يتعذر فيشترط أدناه. وعن محمد تشترط الصلاة بالجماعة لأن المسجد مبني لذلك في الغالب. وصححها الزيلعي تبعا لما في الخانية لأن قبض كل شئ وتسليمه يكون بحسب ما يليق به وذلك في المسجد بأداء الصلاة بالجماعة، أما الواحد يصلي في كل مكان. وقال أبو يوسف: يزول ملكه بقوله جعلته مسجدا لأن التسليم عنده ليس بشرط لأنه إسقاط لملك العبد فيصير خالصا لله تعالى بسقوط حق العبد وصار كالاعتاق. والحاصل أن المسجد مخالف لمطلق الوقف عند الكل، أما عند الأول فلا يشترط القضاء ولا التعليق بالموت، وأما عند الثاني فلا يجوز في المشاع، وأما عند الثالث فلا يشترط التسليم إلى المتولي. أطلق الواحد فشمل الباني وهو قول البعض والأصح أنه لا يكفي لأن الصلاة إنما تشترط لأجل القبض على العامة وقبضه لا يكفي فكذا صلاته، كذا في الخانية. وشمل ما إذا صلى واحد بغير أذان وإقامة وهو ظاهر الرواية، كذا في الخانية. ولو قال المصنف رحمه الله ومن جعل أرضه مسجدا بدل قوله ومن بنى لكان أولى لأنه لو كان له ساحة لا بناء فيها فأمر قومه أن يصلوا فيها بجماعة قالوا: إن أمرهم بالصلاة فيها أبدا أو أمرهم بالصلاة فيها بالجماعة ولم يذكر أبدا إلا أنه أراد بها الأبد ثم مات لا يكون ميراثا عنه وإن أمرهم بالصلاة شهرا أو سنة ثم مات تكون ميراثا عنه لأنه لا بد من التأبيد والتوقيت ينافي التأبيد، كذا في الخانية. وأفاد باشتراط الصلاة فيه أنه لو بنى مسجدا وسلمه إلى المتولي لا يصير مسجدا بالتسليم إلى المتولي وهو قول البعض واختاره شمس الأئمة السرخسي لأن قبض كل شئ يكون بما يليق به كقبض الخان يكون بنزول واحد من المارة فيه بإذنه، وفي الحوض والبئر والسقاية بالاستقاء.
وقال بعضهم: يصير مسجدا كسائر الأوقاف، كذا في الخانية. وفي فتح القدير: والوجه الصحة لأن بالتسليم إلى المتولي أيضا يحصل تمام التسليم إليه تعالى لرفع يده عنه فكأنه لم يطلع على تصحيح. وفي الاختيار: والصحيح أنه يصير مسجدا وكذا إذا سلمه إلى القاضي أو نائبه، كذا في الاسعاف. وقيد بإذن الباني لأن متولي المسجد إذا جعل المنزل الموقوف على المسجد مسجدا وصلى فيه سنين ثم ترك الصلاة فيه وأعيد منزلا مستغلا جاز لأن المتولي وإن