البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ١٦٩
الغصب فلانه صار ملكا للذي غصبه واستولى عليه لمصادفته مالا غير معصوم على ما بينا. قيد بالقضاء لأن المسلم يفتى برد المغصوب وإن كان لا يحكم عليه به لأنه غدر، كذا ذكره الشارح وسكت عن الافتاء بقضاء الدين. وفي فتح القدير: يفتى بأنه يجب عليه قضاء الدين فما بينه وبين الله تعالى. وذكر الشارحون أن الإدانة البيع بالدين والاستدانة الابتياع بالدين والظاهر عدم تخصيصه بالبيع وأنه لا يشمل القرض لما في القاموس: أدان واستدان وتدين أخذ دينا والدين ماله أجل ومالا أجل له فقرض وأدان اشترى بالدين أو باع بالدين ضد اه‍. مع أنه في الحكم هنا لا فرق بينهما لأن أحدهما لو أقرض الآخر في دار الحرب شئ ثم خرجا لم يقض بشئ قوله:
(وكذلك لو كانا حربيين وفعلا ذلك ثم استأمنا) أي الإدانة والغصب ثم دخلا دارنا بأمان لم يقض بشئ لما بيناه. وفي المحيط: خرج حربي مع مسلم إلى العسكر وادعى المسلم أنه أسير وقال كنت مستأمنا فالقول للحربي إلا إذا قامت قرينة ككونه مكتوفا أو مغلولا أو كان مع عدد من المسلمين.
قوله: (وإن خرجا مسلمين قضى بالدين بينهما لا بالغصب) أي أسلم الحربيان في دار الحرب ثم خرجا مسلمين بعد الإدانة أو الغصب لأن المداينة وقعت صحيحة لوقوعها بالتراضي والولاية ثابتة حالة القضاء لالتزامهما الأحكام بالاسلام، وأما الغصب فلما بيناه أنه ملكه ولا خبث في ملك الحربي حتى يؤمر بالرد، وقد قدمنا أن المسلم إذا دخل دارهم بأمان فأدانه حربي أو غصب منهم شيئا يفتى بالرد وإن لم يقض عليه قوله: (مسلمان مستأمنان قتل أحدهما صاحبه تجب الدية في ماله والكفارة في الخطأ) أي تجب الدية في مال القاتل لا على العاقلة، سواء كان القتل عمدا أو خطأ، أما الكفارة فلاطلاق الكتاب به والدية لأن العصمة الثابتة بالاحراز بدار الاسلام لا تبطل بعارض الدخول بالأمان. وإنما لا يجب القصاص لأنه لا يمكنه استيفاؤه إلا بمنعة ولا منعة بدون الإمام وجماعة المسلمين ولم يوجد ذلك في دار الحرب، وإنما تجب الدية في ماله في العمد لأن العواقل لا تعقل العمد وفي الخطأ لأنه لا قدرة لهم على الصيانة مع تباين الدارين والوجوب عليهم على اعتبار تركها قوله: (ولا شئ في الأسيرين سوى الكفارة في الخطأ كقتل مسلم مسلما أسلم ثمة) وهذا عند أبي حنيفة.
وقالا: في الأسيرين الدية في الخطأ والعمد لأن العصمة لا تبطل بعارض الأسر كما لا تبطل بعارض الاستئمان وامتناع القصاص لعدم المنعة وتجب الدية في ماله لما قلنا. ولأبي حنيفة أن
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»
الفهرست