البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٥٧
وفي فتح القدير: وأورد بعض أفاضل أصحابنا أنه يجب أن لا يقع إلا واحدة كقول زفر لقولهم المعلق تطليقات هذا الملك، والفرض أن الباقي من هذا الملك ليس إلا واحدة فصار كما لو طلق امرأته ثنتين ثم قال أنت طالق ثلاثا فإنما يقع واحدة لأنه لم يبق في ملكه سواها. والجواب أن هذه مشروطة، والمعنى أن المعلق طلقات هذا الملك الثلاث ما دام ملكه لها فإذا زال بقي المعلق ثلاثا مطلقة كما هو اللفظ لكن بشرط بقائها محلا للطلاق، فإذا نجز اثنتين زال ملك الثلاث فبقي المعلق ثلاثا مطلقة ما بقيت محليتها وأمكن وقوعها وهذا ثابت في تنجيزه الثنتين فيقع والله أعلم انتهى. وقدمنا أن مما يبطل التعليق لحاقه بدار الحرب قال في المجمع: فلحاقه مرتدا مبطل لتعليقه أي عند الإمام. وقالا: لا لأن زوال الملك لا يبطله.
وله أن إبقاء تعليقه باعتبار قيام أهليته وبالارتداد ارتفعت العصمة فلم يبق تعليقه لفوات الأهلية فإذا عاد إلى الاسلام لم يعد بعد ذلك التعليق الذي حكم بسقوطه لاستحالة عود الساقط، وكذا في شرح المصنف. ومما يبطله فوت محل الشرط كفوت محل الجزاء كما إذا قال إن كلمت فلانا فأنت طالق فمات فلان كذا في النهاية. ومنه ما إذا قال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق فجعلت الدار بستانا كما في المعراج. وقدمنا أن مما يبطله زوال إمكان البر وذكرنا فروعا عليه عند شرح قوله وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها. وفي القنية: حلف لا يخرج من بخارى إلا بإذن هؤلاء الثلاثة فجن أحدهم لا يخرج لأنه إن أفاق المجنون حنث ولو مات أحدهما لم يحنث لبطلان اليمين انتهى.
قوله: (ولو علق الثلاث أو العتق بالوطئ لم يجب العقر باللبث) أي لم يجب مهر المثل للمطلقة ثلاثا والمعتقة بالمكث من غير فعل لأن الجماع هو إدخال الفرج في الفرج وليس له دوام حتى يكون لدوامه حكم ابتدائه كمن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها لا يحنث باللبث، وكذا لو حلف أن لا يدخل دابته الإصطبل وهي فيه فأمسكها فيه لم يحنث. وفي الفوائد الظهيرية: الجماع عبارة عن الموافقة والمساعدة في أي شئ كان فإن محمدا كثيرا ما يقول في كتاب الحج على أهل المدينة ألستم جامعتمونا في كذا أي وافقتمونا. وحكي عن الطحاوي أنه كان يملي على ابنته مسائل يقول في املائه ألسنا قد جامعناكم على كذا أو لستم قد جامعتمونا على كذا فتبسمت ابنته يوما من ذلك فوقع بصره عليها فقال: ما شأنك؟
فتبسمت مرة أخرى فأحس الطحاوي أنها ذهبت إلى الجماع المعروف بهذا اللفظ فقال: أو يفهم من هذا؟ فاحترق غضبا وقطع الاملاء ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم لا أريد حياة بعد هذا فتمنى الموت فمات بعد ذلك من نحو خمسة أيام، كذا في المعراج. أشار بنفي العقر
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»
الفهرست