البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٤٤
أنزلت فقد أشبعها اه‍. وفي القنية: والمسرة كالمحبة وكذا الغيرة باللسان لا بالقلب اه‍. وقد سوى المصنف بين المحبة والحيض وليس بينهما فرق إلا من وجهين: أحدهما أن التعليق بالمحبة يقتصر على المجلس لكونه تخييرا حتى لو قامت وقالت أحبك لا تطلق، والتعليق بالحيض لا يبطل بالقيام كسائر التعليقات والثاني أنها إذا كانت كاذبة في الأخيار تطلق في التعليق بالمحبة لما قلنا، وفي التعليق بالحيض لا تطلق فيما بينه وبين الله تعالى حتى يحل وطؤها ديانة لأن حقيقة المحبة والبغض أمر خفي لا يوقف عليها من قبل أحد لا من قبلها ولا من قبل غيرها لأن القلب يتقلب لا يستقر على شئ، فلما لم يوقف عليها تعلق الحكم بإخبارها لأنه دليل عليها لأن أحكام الشرع لا تناط بأحكام خفية. وفي الفوائد الظهيرية: لو قال أنت طالق إن كنت أنا أحب كذا ثم قال لست أحبه وهو كاذب فهي امرأته يسعه وطؤها ديانة. قال شمس الأئمة: وهذا مشكل لأنه يعرف ما في قلبه حقيقة وإن كان لا يعرف ما في قلبها لكن الطريق ما قلنا أن الحكم يدار على الظاهر وهو الاخبار وجودا وعدما، وكذا الحكم لو قال إن كنت تبغضيني، ولو قال إن كنت تحبيني بقلبك فقالت أحبك طلقت ديانة وقضاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأن المحبة فعل القلب فكان إطلاقها وتقييدها بالقلب سواء وإنما يفيد التأكيد. وقال محمد: لا تطلق ديانة لأن المحبة عمل القلب وجعل اللسان خلفا عنه وعند التقييد بالقلب تبطل الخلفية فيبقى الحكم متعلقا بالأصل، كذا في المعراج. والظاهر من كلام مشايخنا أنه لا فرق بين التعليق بمحبتها إياه أو بمحبتها فراقه وذكره في المعراج عن غير أهل المذهب فقال: وفي التبصرة للخمي: قال لها إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق فقالت أحب ثم قالت كنت لاعبة قال: أرى أن يقع عليها. ثم نقله عن الأنوار للمالكية.
وذكر في المحيط مسألة ما إذا قال إن كنت تحبين الطلاق ولا فرق بين الطلاق والفراق فكان منقولا عن أصحابنا أيضا. وأطلق في المحبة فشمل ما إذا قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله في نار جهنم فأنت طالق ولا يتيقن بكذبها لأنها لشدة بغضها إياه قد تحب التخلص منه بالعذاب، كذا في الهداية. وذكر قاضيخان: قال لامرأته إن سررتك فأنت طالق فضربها فقالت سرني قالوا: لا تطلق امرأته لأنا نتيقن بكذبها. قال مولانا رضي الله تعالى عنه: وفيه إشكال وهو أن السرور مما لا يوقف عليه فينبغي أن يتعلق الطلاق بخبرها ويقبل قولها في ذلك وإن كنا نتيقن بكذبها كما لو قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله بنار جهنم فأنت طالق فقالت أحب يقع الطلاق عليها. ولو أعطى ألف درهم فقالت لم يسرني كان القول قولها ولا يقع الطلاق لاحتمال أنها طلبت الألفين فلا يسرها الألف اه‍.
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»
الفهرست