البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٣ - الصفحة ٤٥٣
طالق مع المصدر كإلغائه مع العدد وإلا لوقع بطالق واحدة وبالطلاق اثنتان حين إرادته الثلاث فيلزم الثنتان بالمصدر وهم لا يقولون به. قيد بكونه نوى ثنتين بالمجموع لأنه لو نوى ثنتين بالتوزيع كأن يريد بقوله أنت طالق واحدة وبالطلاق أخرى تقع ثنتان خلافا لفخر الاسلام لأن طالقا نعت وطلاقا مصدره فلا يقع إلا واحدة رجعية. ووجه الأول أن كلا منهما صالح للايقاع فصار كقوله أنت طالق طالق وهو أولى من قول بعضهم طالق وطالق إذ ليس في الكلام ما يدل على الواو، ورجح الأول في فتح القدير بأن طلاقا منصوب ولا يرفع بعد صلاحية اللفظ لتعدده وصحة الإرادة به إلا بإهدار لزوم صحة الاعراب في الايقاع من العالم والجاهل. وفي المغنى لابن هشام من الباب الأول من بحث اللام (تنبيه) كتب الرشيد ليلة إلى القاضي أبي يوسف يسأله عن قول القائل:
فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن * وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم فأنت طلاق والطلاق عزيمة * ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم فقال: ماذا يلزمه إذا رفع الثلاث وإذا نصبها؟ قال أبو يوسف: فقلت هذه مسألة نحوية فقهية ولا آمن الخطأ إن قلت فيها برأيي فأتيت الكسائي وهو في فراشه فسألته فقال:
إن رفع ثلاثا طلقت واحدة لأنه قال أنت طلاق ثم أخبر أن الطلاق التام ثلاث، وإن نصبها طلقت ثلاثا لأن معناه أنت طالق ثلاثا وما بينهما جملة معترضة، فكتبت بذلك إلى الرشيد فأرسل إلي بجوائز فوجهت بها إلى الكسائي. ا ه‍ ملخصا. وأقول: إن الصواب أن كلا من الرفع والنصب محتمل لوقوع الثلاث ولوقوع الواحد، أما الرفع فلان أل في الطلاق إما لمجاز الجنس كما تقول زيد الرجل أي هو الرجل المعتد به، وإما للعهد الذكري مثلها في * (فعصى فرعون الرسول) * (المزمل: 16) أي وهذا الطلاق المذكور عزيمة ثلاث ولا يكون للجنس الحقيقي لئلا يلزم الاخبار عن العام بالخاص كما يقال الحيوان إنسان وذلك باطل إذ ليس كل حيوان إنسانا ولا كل طلاق عزيمة، وثلاثا فعلى العهدية تقع الثلاث، وعلى الجنسية تقع واحدة كما قال الكسائي. وأما النصب فلانه محتمل لأن يكون على المفعول المطلق وحينئذ يقتضي وقوع الثلاث إذ المعنى فأنت طالق ثلاثا، ثم اعترض بينهما بقوله والطلاق عزيمة ولان يكون حالا من الضمير المستتر في عزيمة، وحينئذ لا يلزم وقوع الثلاث لأن المعنى والطلاق عزيمة إذا كان ثلاثا فإنما يقع ما نواه. هذا ما يقتضيه معنى هذا اللفظ، وأما الذي أراده هذا الشاعر المعين فهو الثلاث لقوله بعد:
فبيني بها إن كنت غير رفيقة وما لا مرء بعد الثلاث مقدم ا ه‍
(٤٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 ... » »»
الفهرست