البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٣ - الصفحة ٣٧٣
وقالا: عليها العدة لأن الفرقة وقعت بعد الدخول في دار الاسلام فيلزمها حكم الاسلام.
ولأبي حنيفة أنها أثر النكاح المتقدم ووجبت إظهارا لحظره ولا حظر لملك الحربي ولهذا لا تجب على المسبية، وقد تأيد ذلك بقوله تعالى * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * (الممتحنة: 10) والعصم جمع عصمة بمعنى المنع، والكوافر جمع كافرة، ثم اختلفا لو خرج زوجها بعدها وهي بعد في هذه العدة فطلقها بأهل يلحقها طلاق؟ قال أبو يوسف: لا يقع عليها. وقال محمد: يقع والأصل أن الفرقة إذا وقعت بالتنافي لا تصير المرأة محلا للطلاق عند أبي يوسف، وعند محمد تصير وهو أوجه إلا أن تكون محرمة لعدم فائدة الطلاق على ما بيناه، وثمرته تظهر فيما لو طلقها ثلاثا لا يحتاج زوجها في تزوجها إذا أسلم إلى زوج آخر عند أبي يوسف، وعند محمد يحتاج إليه. كذا في فتح القدير. وأراد بالمهاجرة التاركة لدار الحرب إلى دار الاسلام على عزم عدم العود وذلك بأن تخرج مسلمة أو ذمية أو صارت كذلك. وقيد بالحائل لأن الحامل لا يصح العقد عليها حتى تضع حملها، وظاهر مفهوم الكتاب أن ذلك لأجل العدة وليس كذلك كما في غاية البيان والتبيين. وروى الحسن عن أبي حنيفة أن العقد صحيح والوطئ حرام حتى تضعه لأنه لا حرمة لماء الحربي كماء الزاني، وصحح الشارحون الأول لأن النسب ثابت فكان الرحم مشغولا بحق الغير فكان الاحتياط في منع العقد كالوطئ بخلاف الحمل من الزنا. وصحح الأقطع رواية الصحة والأكثر على الأول وهو الأظهر لأنه إذا ظهر الفراش في حق النسب يظهر في حق المنع من النكاح احتياطا.
قوله: (وارتداد أحدهما فسخ في الحال) يعني فلا يتوقف على مضي ثلاثة قروء في المدخول بها، ولا على قضاء القاضي لأن وجود المنافي يوجبه كالمحرمية بخلاف الاسلام لأنه غير مناف للعصمة. أطلقه فشمل ارتداد المرأة وهو ظاهر الرواية، وبعض مشايخ بلخ ومشايخ سمرقند أفتوا بعدم الفرقة بردتها حسما لباب المعصية والحيلة للخلاص منه، وعامة مشايخ بخاري أفتوا بالفرقة لكنها تجبر على الاسلام والنكاح مع زوجها الأول لأن الحسم يحصل بهذا الجبر فلا ضرورة إلى إسقاط اعتبار المنافي. وتعقبهم في جامع الفصولين بأن جبر الحرة لبالغة مناف للشرع أيضا فلزمهم ما هربوا منه من إسقاط اعتبار المنافي ا ه‍. وهو مردود لأن الجبر على النكاح عهد في الشرع في الجملة للضرورة كما في العبد والأمة والحر الصغير والحرة الصغيرة فجاز ارتكابه في غيرهم للضرورة ولم يعهد بقاء النكاح مع المنافي له
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 ... » »»
الفهرست