الحج يدع الاعتكاف ويحج ثم يستقبل الاعتكاف لأن الحج أهم من الاعتكاف لأنه يفوت بمضي يوم عرفة وإدراكه في سنة أخرى موهوم، وإنما يستقبله لأن هذا الخروج وإن وجب شرعا فإنما وجب بعقده وإيجابه. وعقده لم يكن معلوم الوقوع فلا يصير مستثنى عن الاعتكاف. وأشار إلى أنه لو خرج لحاجة الانسان ثم ذهب لعيادة المريض أو لصلاة الجنازة من غير أن يكون لذلك قصد فإنه جائز بخلاف ما إذا خرج لحاجة الانسان ومكث بعد فراغه أنه ينتقض اعتكافه عند أبي حنيفة، قل أو كثر، وعندهما لا ينتقض ما لم يكن أكثر من نصف يوم. كذا في البدائع.
قوله: (فإن خرج ساعة بلا عذر فسد) لوجود المنافي. أطلقه فشمل القليل والكثير وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: لا يفسد إلا بأكثر من نصف يوم وهو الاستحسان لأن في القليل ضرورة - كذا في الهداية - وهو يقتضي ترجيح قولهما. ورجح المحقق في فتح القدير قوله لأن الضرورة التي يناط بها التخفيف اللازمة أو الغالبة وليس هنا كذلك، وأراد بالعذر ما يغلب وقوعه كالمواضع التي قدمها وإلا لو أريد مطلقه لكان الخروج ناسيا أو مكرها غير مفسد لكونه عذرا شرعيا وليس كذلك بل هو مفسد كما صرحوا به. وبما قررناه ظهر القول بفساده فيما إذا خرج لانهدام المسجد أو لتفرق أهله أو أخرجه ظالم أو خاف على متاعه كما في فتاوي قاضيخان والظهيرية خلافا للشارح الزيلعي أو خرج لجنازة وإن تعينت عليه أو لنفير عام أو لأداء شهادة أو لعذر المرض أو لانقاذ غريق أو حريق، ففرق الشارح هنا بين هذه المسائل حيث جعل بعضها مفسدا والبعض لا، تبعا لصاحب البدائع مما لا ينبغي. نعم الكل عذر مسقط للإثم بل قد يجب عليه الافساد إذا تعينت عليه صلاة الجنازة أو أداء الشهادة بأن كان ينوي حقه إن لم يشهد أولا نجاء غريق ونحوه، والدليل على ما ذكره القاضي ما ذكره الحاكم في كافيه بقوله: فأما في قول أبي حنيفة فاعتكافه فاسد إذا خرج ساعة لغير غائط أو بول أو جمعة ا ه. فكان مفسرا للعذر المسقط للفساد. وفي فتاوي قاضيخان والولوالجي:
وصعود المئذنة إن كان بابها في المسجد لا يفسد الاعتكاف، وإن كان الباب خارج المسجد فكذلك في ظاهر الرواية. قال بعضهم: هذا في المؤذن لأن خروجه للاذان يكون مستثنى عن الايجاب، أما في غير المؤذن فيفسد الاعتكاف، والصحيح أن هذا قول الكل في حق الكل لأنه خرج لإقامة سنة الصلاة وسنتها تقام في موضعها فلا تعتبر خارجا ا ه. وفي