البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٢ - الصفحة ٤٥
الكم قياس عليه. وصرح في الخلاصة بأنه إن أمكنه عند التثاؤب أن يأخذ شفتيه بسنه فلم يفعل وغطفاه بيده أو بثوبه يكره. كذا روي عن أبي حنيفة اه‍. ووجهه أن تغطية الفم منهي عنها في الصلاة لما رواه أبو داود وغيره وإنما أبيحت للضرورة ولا ضرورة إذا أمكنه الدفع، ثم إذا وضع يده على فيه يضع ظهر يده. كذا في مختارات النوازل. قال العلامة الحلبي: وهل يفعل ذلك بيده اليمنى أو اليسرى لم أقف عليه مسطورا لمشايخنا أه‍. وهو عجيب مع كثرة مطالعته للمجتبى ونقله عنه وقد صرح بأنه يغطي فاه بيمينه في القيام وفي غيره بيساره ومن المكروه التمطي لأنه من التكاسل قوله (وتغميض عينيه) لما رواه ابن عدي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه إلا أن في سنده من ضعف. والكراهة مروية عن مجاهد وقتادة. وعلله في البدائع بأن السنة أن يرمي بصره إلى موضع سجوده وفي التغميض ترك هذه السنة، ولان كل عضو وطرف ذو حظ من هذه العبادة فكذا العين اه‍. وظاهر كلامهم أن لا يغمض في السجود وقد قال جماعة من الصوفية نفعنا الله بهم: يفتح عينيه في السجود لأنهما يسجدان. وينبغي أن تكون الكراهة تنزيهية إذا كالغير ضرورة ولا مصلحة، أما لو خاف فوات خشوع بسبب رؤية ما يفرق الخاطر فلا يكره غمضهما بسبب ذلك بل ربما يكون أولى لأنه حينئذ لكمال الخشوع قوله (وقيام الإمام لا سجوده في الطاق) أي المحراب لأن قيامه فيه يشبه صنيع أهل الكتاب بخلاف سجوده فيه وقيامه خارجه. هكذا علل به في الهداية وهو أحد الطريقين للمشايخ، وأصله أن محمدا صرح بالكراهة في الجامع الصغير ولم يفصل، فاختلف المشايخ في سببها فقيل كونه يصير ممتازا عنهم في المكان لأنه في معنى بيت آخر وذلك صنيع أهل الكتاب. واقتصر عليه في الهداية واختاره الإمام السرخسي وقال: إنه الأوجه. وقيل: اشتباه حاله على من على يمينه ويساره، فعلى الطريقة الأولى يكره مطلقا، وعلى الثانية لا يكره عند عدم الاشتباه. وفي فتح القدير: ولا يخفي أن امتياز الإمام مقرر مطلوب في الشرع في حق المكان حتى كان التقدم واجبا عليه وغاية ما هنا كونه في خصوص مكان ولا أثر لذلك لأنه يحاذي وسط الصف وهو المطلوب إذ قيامه في غير محاذاته مكروه وغايته اتفاق الملتين في بعض الأحكام، ولا بدع فيه على أن أهل الكتاب إنما
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»
الفهرست