لاحد فيها حق ثابت ولا كان يعرض الثبوت فصح اقراره بالعين مطلقا وتبين أنها ليست بتركته ثم اقراره بالدين بعد ذلك أنما يكون شاغلا لتركته لا لما لم يكن من جملة ملكه وهذا بخلاف ما إذا وهب عينا وسلم ثم أقر بالدين لان الهبة وان نفذها في مرضه صار كالمضاف إلي ما بعد الموت حتى تعتبر من ثلثه ولا يتبين بالهبة ان الموهوب لم يكن مملوكا له فيتعلق به حق الغريم المقر به بعد ذلك فكان هو أولى من الموهوب له فأما اقراره بالوديعة لم يصير كالمضاف إلى ما بعد الموت بل ثبت بنفسه كما أقر به ويتبين ان هذه العين لم تكن ملكا له فلهذا لا يثبت حق المقر له بالعين بعد ذلك فيه ولو كان عليه دين في الصحة وأقر في مرضه بدين أو وديعة كان دين الصحة مقدما على ما أقر به في المرض عندنا وقال ابن أبي ليلي رحمه الله ما أقر به في الصحة والمرض من الدين فهو سواء وهو قول الشافعي رحمه الله * وحجتهما في ذلك أن الاقرار من جنس التجارة وبسبب المرض إنما يلحقه الحجر عن التبرع لا عن التجارة (ألا ترى) ان سائر تصرفاته من البيع والشراء صحيح في مرضه علي الوجه الذي يصح في صحته وكذلك اقراره وهذا لان الاقرار إظهار للحق الواجب عليه وذلك من أصول حوائجه وقد بينا ان حاجته مقدمة في ماله بخلاف التبرع فإنه ليس من حوائجه ولهذا كان معتبرا من ثلث ماله والاقرار يكون معتبرا في جميع ماله والدليل عليه ان الاقرار خبر متمثل بين الصدق والكذب فإنما جعل حجة ليترجح جانب الصدق باعتبار أن عقله ودينه يدعوانه إلى الصدق ويمنعانه من الكذب وكذلك شفقته على نفسه وماله تحمله على الصدق وتمنعه من الكذب وهذا المعنى لا تختلف بين الصحة والكذب بل يزداد معنى رجحان جانب الصدق والكذب ولان في حال الصحة كان الامر موسعا عليه فربما يؤثر هواه على ما هو المستحق عليه فيقر بالكذب وبالمرض يضيق الامر عليه في الخروج عن المستحق عليه فلا يؤثر هواه على صرف المال على ما هو المستحق عليه وهو معنى ما قيل إن المرض حال النوبة والإنابة يصدق فيه الكاذب ويبر فيه الفاجر فتنتفى تهمة الكذب عن اقراره ويكون الثابت بالاقرار في هذه الحال كالثابت بالبينة فكان مزاحما لغرماء الصحة * وحجتنا في ذلك أن أحد الاقرارين وجد في حال الاطلاق والاخر في حال الحجر فيقدم ما وجد في حال الاطلاق علي ما وجد في حال الحجر وإنما قلنا ذلك لان بسبب المرض يلحقه الحجر ليتعلق حق الغرماء والورثة بماله حتى لا يجوز تبرعه بشئ إذا كان عليه دين محيطا وبما زاد على الثلث إذا لم يكن عليه دين لتعلق
(٢٦)