(باب كتاب القاضي إلى القاضي) (قال رحمه الله اعلم بأن القياس يأبى جواز العمل بكتاب القاضي إلى القاضي لان كتابه لا يكون أقوى من عبارته ولو حضر بنفسه مجلس القضاء المكتوب إليه وعبر بلسانه عما في الكتاب لم يعمل به القاضي فكذلك إذا كتب به إليه ولان الكتاب قد يزور ويفتعل والخط يشبه الخط والخاتم يشبه الخاتم فكان محتملا والمحتمل لا يصلح حجة للقضاء ولكنا جوزنا العمل بكتاب القاضي إلى القاضي فيما يثبت مع الشبهات لحديث علي رضي الله عنه أنه جوز ذلك ولحاجة الناس إلى ذلك فقد يكون الشاهد للمرء في حقه على بلدة وخصمه في بلدة أخرى فيتعذر عليه الجمع بينهما وربما لا يتمكن من أن يشهد في شهادتهما وأكثر الناس يعجزون عن أداء الشهادة على الشهادة على وجهها ثم يحتاج بعد ذلك إلى معرفة عدالة الأصول ويتعذر معرفة ذلك في تلك البلدة فتقع الحاجة إلى نقل شهادتهم بالكتاب إلى مجلس ذلك القاضي ليتعرف القاضي من الكتاب عدالتهم ويكتب ذلك إلى القاضي المكتوب إليه فللتيسير جوزنا ذلك ولكن فيما يثبت مع الشبهات لأنه لا ينفك عن شبهته كما أشرنا إليه في وجه القياس فلا يكون حجة فيما يندرئ بالشبهات ولان ذلك نادر لا تعم البلوى به فلما جعل هذا حجة للحاجة اقتصر على ما تعم البلوى به لان الحاجة تمشي إلى ذلك فإذا أتى القاضي كتاب قاضي سأل الذي جاء به البينة على أنه كتابه وخاتمه لأنه غاب عن القاضي علمه فلا يثبت الا بشهادة شاهدين ثم يقرؤه عليهم ويشهدون على ما فيه فمن أصل أبي حنيفة رحمه الله ان علم الشهود بما في الكتاب شرط لجواز القضاء بذلك وهو قول أبى يوسف الأول ثم رجع فقال إذا شهدوا انه خاتمه وكتابه قبله وإن لم يعرف ما فيه وهو قول ابن أبي ليلى رحمه الله لان كتاب القاضي إلى القاضي قد يستعمل على شئ لا يعجبهما أن يقف عليه غيرهما ولهذا يختم الكتاب ومعنى الاحتياط يحصل إذا شهدوا أنه كتابه وخاتمه ولكنا نقول ما هو المقصود لا بد من أن يكون معلوما للشاهد والمقصود ما في الكتاب لا عين الكتاب والختم وكتب الخصومات لا يستعمل على شئ سوى الخصومة فللتيسير يطلب كتابا آخر على حدة فاما ما يبعث على يد الخصم لا يشتمل الا على ذكر الخصومة ولفظ الشهادة (قال) ولا يفتح الكتاب الا بمحضر من الخصم لان ذلك في معنى الشهادة على الشهادة فان الكاتب ينقل
(٩٥)