المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ٦٩
عن تقلد القضاء بعد ما حبس وضرب لأجله مرارا حتى قال بعض أصحابه رحمهم الله لو تقلدت نفعت الناس فنظر إليه شبه المغضب وقال لو أمرت أن أقطع البحر سباحة أكنت أقدر على ذلك وكأني بك قاضيا ومن اختار تقلد القضاء قال هذا اللفظ من البلاء الذي هو نعمة قال الله تعالى وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا وإنما أراد من أنعم الله تعالى عليه بهذه الدرجة فليقض بما في كتاب الله تعالى وبذلك كان يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله تعال وعترتي أهل بيته الأقربون والأبعدون فان تمسكتم بهما لم تضلوا قال فإن لم يجد ذلك في كتاب الله تعالى فليقض بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك كان يأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لأبي رواحة رضي الله عنه في حادثة أما كان لك في أسوة فقال أنت تسعى في رقبة قد فكت وأنا أسعى في رقبة لم يعرف فكاكها فقال صلى الله عليه وسلم انى لا أرجو أن أكون أخشاكم لله قال فإن لم يجد ذلك فيما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقض بما قضى الصالحون يعنى أبى بكر وعمر رضي الله عنه ما كما جاء في الحديث إذا ذكر الصالحون فحيعلا بعمر قال فإن لم يجد فليجتهد رأيه ولا يقولن انى أرى وأنى أخاف وفيه دليل على أن للقاضي أن يجتهد فيما لا نص فيه وانه لا ينبغي أن لا يدع الاجتهاد في موضعه لخوف الخطأ فان ترك الاجتهاد في موضعه بمنزلة الاجتهاد في غير موضعه فكما لا ينبغي له أن يشتغل بالاجتهاد مع النص لا ينبغي له أن يدع الاجتهاد فيما لا نص فيه ثم بين طريق الحق في ذلك بقوله فان الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى مالا يريبك وهذا اللفظ مروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الحسن رحمه الله وفيه بيان أن المجتهد إذا لم يترك الاحتياط في موضع الريبة فهو مؤدى لما كلف أصاب المطلوب باجتهاده أو أخطاء وهو ما نقل عن أبي حنيفة رحمه الله كل مجتهد مصيب والحق عند الله واحد أي مصيب في طريق الاجتهاد ابتداء وقد يخطي انتهاء فيما هو المطلوب بالاجتهاد ولكنه معذور في ذلك لما أتى بما في وسعه وذكر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني إلى اليمين بم تقضي يا معاذ قلت بما في كتاب الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام فإن لم تجد ذلك في كتاب الله تعالى قلت أقضى بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم فإن لم تجد ذلك فيما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت أجتهد رأيي فقال صلوات الله عليه وسلامه
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»
الفهرست