وقد بقيت الحجة في نصنف الحق فيجب ضمان نصف الحق على الراجعين أثلاثا لان الثابت بشهادة الرجل ضعف ما يثبت بشهادة المرأة ولو رجعوا جميعا كان على الرجل النصف وعلى النسوة النصف في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وفي قول أبي حنيفة رحمه الله على الرجل خمسا المال وعلى النسوة ثلاثة أخماسه كما ذكرنا في الفصل الأول. وإذا شهد رجلان وامرأتان ثم رجعوا فالضمان أثلاث لان المرأتين قامتا مقام رجل واحد فكأنه شهد ثلاثة بالمال ثم رجعوا وإذا شهد شاهدان بمال قضى به القاضي ثم ادعى المشهود عليه أنهما رجعا وأراد يمينها فلا يمين عليهما في ذلك ولا تقبل عليهما به بينة لأنه ادعى عليهما رجوعا باطلا لما بينا أن الرجوع فسخ للشهادة فيختص بمجلس الحكم كالشهادة فلما ان شهادتهما في غير مجلس القاضي باطلة فكذلك رجوعهما والحدود والقصاص في هذا كالأموال. وإذا رجعا عن شهادتهما وأشهدا بالمال على أنفسهما من قبل الرجوع ثم جحدا ذلك فشهدت عليهما شهود بالمال عليهما قبل الرجوع والضمان لم يقبل ذلك لان الرجوع في غير مجلس القضاء باطل فإنما أشهدا على أنفسهما بالمال بسبب باطل وذلك لا يلزمهما شئ وكذلك لو شهدوا على زنا واحصان فرجمه القاضي بذلك ثم أشهد الشهود عليهم بالرجوع لم يكن عليهم بالرجوع حد ولا ضمان لأنهم بالرجوع ما صاروا قاذفين له ولكن الشهادة تنفسخ بالرجوع فيصير كلام الشاهدين قذفا عند ذلك وفسخ الشهادة بالرجوع مختص بمجلس الحكم (قال) ولو أوجبت عليهما الحد لأوجبت عليهما الضمان وقد بينا أنهم لا يضمنون بالرجوع في غير مجلس الحكم فلا يجدون أيضا وإذا لم يقض القاضي بشهادة شاهدين حتى رجعا عنها لم يقض بها لان القضاء يستدعى قيام الحجة عنده ولم تبق الحجة حين رجعا ولان شهادتهما تتأكد بالقضاء فبالرجوع قبل التأكد يبطل بحيث لا يبقى له أثر ولا ضمان عليهما لأنهما لم يتلفا شيئا على أحد أما المشهود عليه فقد بقي المال على ملكه وأما المشهود له فلم يثبت له استحقاق قبل القضاء. ولو اشترى رجل دارا بألف درهم وهي قيمتها ونقده الثمن فشهد شاهدان أن هذا الرجل شفيعها وان هذه الدار التي هي في يديه ملزقة بداره فقضى القاضي له بالشفعة ثم رجعا عن شهادتهما فلا ضمان عليهما لأنهما أتلفا على المشترى ملكه فيها بعوض يعد له وهو الثمن الذي أخذه من الشفيع فإن كان المشترى قد بنا فيها بناء فأمره القاضي بنقضه ضمن الشاهدان له قيمة بنائه لأنه كان مستحقا لقرار البناء بملكه الدار وقد شهد أن الشفيع أحق بملكها منه فكانا متلفين للبناء عليه فيضمنان له قيمة البناء مبنيا ويكون النقض لهما بالضمان بمنزلة ما لم
(١٨٩)