رحمه الله قال إذا شهد شاهدان على قطع يد فقضي القاضي بذلك ثم رجعا عن الشهادة فعليهما الدية وان رجع أحدهما فعليه نصف الدية وبه نأخذ لأنهما سببا لقطع اليد بطريق هو تعدى منهما وهو سبب معتاد في الناس فقد يقصد المرء الاضرار بغيره في نفسه أو ماله بالشهادة الباطلة عند عجزه عن تحصيل مقصوده بالمباشرة والتسبب بهذه الصفة موجب ضمان الدية كحفر البئر ووضع الحجر في الطريق إلا أن ضمان الدية في مالهما لان وجوبه بقولهما وهو اقرارهما على أن فسهما عند الرجوع وقولهما ليس بحجة على العاقلة وإذا كان ضامنين للدية إذا رجعا كان أحدهما ضامنا لنصف الدية إذا رجع لان بشهادة كل واحد منهما يقوم بنصف الحجة فببقاء أحدهما على الشهادة تبقى الحجة في النصف أيضا فيجب على الراجح من الضمان بقدر ما انعدمت الحجة فيه وذلك النصف وكذلك لو شهد بمال فقضى القاضي به ثم رجع أحدهما فعليه نصف المال فان رجعا جميعا فعليهما المالك كله وهذا بخلاف ماذا رجع قبل قضاء القاضي حتى امتنع القاضي من القضاء للمشهود له لأنهما لم يتلفا عليه شيئا مستحقا له فالشهادة قبل القضاء لا توجب شيئا للمشهود له فاما بعد القضاء فقد اتلفا على المشهود عليه ما كان مستحقا له من المال فيضمنان له ذلك وعن الشعبي رحمه الله ان رجلين شهدا على رجل انه طلق امرأته ثلاثا وفرق القاضي بينهما ثم تزوجها أحد الشاهدين ثم رجع عن شهادته فلم يفرق بينهما الشعبي وبه كان يأخذ أبو حنيفة رحمه الله وكأن يقول فرقة القاضي جائزة ظاهرا وباطنا ولا يرد القاضي المرأة إلى زوجها برجوع الشاهدين ولا يفرق بينهما وبين الزوج الثاني إن كان هو الشاهد وقال محمد رحمه الله لا يصدق الشاهد على ابطال شهادته الأولى ولكنه يصدق على نفسه فيفرق بينه وبينها إن كان هو تزوجها والى هذا رجع أبو يوسف رحمه الله وأصل المسألة أن قضاء القاضي بالمعقود والفسوخ والنكاح والطلاق والعتاق بشهادة الزور تنفذ ظاهرا وباطنا في قول أبي حنيفة وأبى يوسف الأول رحمهما الله وفي قول أبى يوسف الاخر وهو قول محمد والشافعي رحمهم الله ينفذ قضاؤه ظاهرا لا باطنا حتى إذا ادعى نكاح امرأة وأقام شاهدي زور فقضي القاضي له بالنكاح وسعه أن يطأها في قول أبي حنيفة وأبى يوسف الأول رحمهما الله ولا يحل له ذلك في قول أبى يوسف الاخر وهو قول محمد والشافعي رحمهم الله وحجتهم في ذلك قوله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام فقد نهى الله تعالى عن أكل مال الغير بالباطل محتجا بحكم الحاكم فهو تنصيص على أنه وان قضي القاضي له بالشراء
(١٨٠)