المبسوط - السرخسي - ج ٤ - الصفحة ١٣٩
فكان الوقت للصوم معيارا ولهذا لا يصح في كل زمان الا صوم واحد فبعد وجود النية ودخول وقت الأداء لا حاجة إلى مباشرة فعل الأداء فلهذا صار شارعا فيه بمجرد النية وهنا الزمان ليس بمعيار للحج ولهذا صح أداء النفل في الزمان الذي يؤدى فيه الفرض وإنما داؤه بأفعاله وبمجرد النية لا يصير مباشرا للفعل فلا يصير شارعا في الأداء أيضا ولكن لو قلد البدنة بنية الاحرام أو أمر فقلد له وهو ينوى الا حرام صار محرما عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يصير محرما الا بالتلبية على القول الذي يقول لا ينعقد الاحرام بمجرد النية وحجته في ذلك أن الفعل لا يقوم مقام الذكر في التحرم للعبادة كما في الصلاة لما كان الشروع فيها بالتكبير لا يقوم الفعل فيه مقامه حتى لو ركع أو سجد بنية الشروع في الصلاة لا يصير شارعا ولا فرق بينهما لان الهدى نسك في هذه العبادة كالركوع والسجود في الصلاة توضيحه ان تقليد الهدى لا يكون أقوى من إراقة دم الهدى وبإراقة دم الهدي على قصد الاحرام لا يصير محرما فكذلك بالتقليد وحجتنا في ذلك قوله تعالى ولا الهدى ولا القلائد إلى أن قال وإذا حللتم فاصطادوا ولم يتقدم ذكر الاحرام ففي قوله وإذا حللتم فاصطادوا إشارة إلى أن الاحرام يحصل بتقليد الهدى وذلك مروى عن الصحابة عمر وابن مسعود وابن عباس رضى الله تعالى عنهم حتى روى عن قيس بن سعد أنه كان يغسل رأسه فبعد ما غسل أحد شقى رأسه نظر فإذا هداياه قد قلدت فقام وترك غسل الشق الآخر وقال اما إن من قلدت هذه الهدايا له فقدم أحرم والمعنى فيه أن الحج يشبه الصلاة من وجه والصوم من وجه فمن حيث أنه ليس في أثنائه ذكر مفروض كان مشبها بالصوم ومن حيث أنه يشتمل على أركان مختلفة كان مشبها بالصلاة فيوفر على الشبهين حظهما من الحكم فنقول بشبهه بالصلاة لا يصير شارعا فيه بمجرد النية وبشبهه بالصوم يصير شارعا فيه وإن لم يأت بالذكر إذا أتى بفعل يقوم مقام الذكر وهذا لان المقصود بالتلبية إظهار إجابة الدعوة وبتقليد الهدى يحصل إظهار الإجابة أيضا وفرق بين التجليل والتقليد فقال بالتجليل لا يصير محرما وان نوى لان التجليل لا يختص به ما أعد للقربة فقد تجلل البدنة لا على قصد التقرب بها فلا يكون ذلك دليل الإجابة بخلاف التقليد بالصفة التي ذكرنا فإنه لا يكون إلا عند قصد التقرب فكان إظهارا للإجابة وكذلك بالاشعار لا يصير محرما أما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فلا يشكل لان الاشعار مكروه عنده فكيف يصير
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»
الفهرست