المبسوط - السرخسي - ج ٤ - الصفحة ١٣٦
أن ذكر مكة يصير مضمرا في كلامه بدلالة العرف فإذا نص إلى الحرم أو إلى المسجد الحرام لا يمكن أن يجعل ذكر مكة مضمرا في كلامه فلهذا لا يلزمه شئ عنده (قال) وكل شئ يجعله على نفسه من المتاع والرقيق فإنما عليه أن يبيعه ويتصدق به على مساكين أهل مكة وان تصدق به بالكوفة أجزأه وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا يجزيه لأنه التزم الهدى والهدى لا يكون الا في موضع فكان من ضرورة ما نص عليه تعيين مساكين أهل مكة للتصدق عليهم ولكنا نقول هو بهذا اللفظ ملتزم للقربة في هذه المحال والفعل الذي هو قربة في هذه المحال التصدق بها فكأنه نذر أن يتصدق بها والتصدق على فقراء الكوفة كالتصدق على فقراء مكة لان معنى القربة في التصدق إنما يحصل بسد خلة المحتاج وفى هذا فقراء مكة وفقراء الكوفة سواء (قال) وكل هدى جعله على نفسه من الإبل والبقر والغنم فعليه ان يذبحه بمكة لان فعل القربة في هذه المحال بإراقة الدم وإراقة الدم لا تكون قربة الا في مكان مخصوص وهو الحرم أو زمان مخصوص وهو يوم النحر وفى لفظه ما ينبئ عن المكان دون الزمان ولهذا كان عليه ان يذبحه بمكة وبعد الذبح صار المذبوح لله تعالى خالصا فالسبيل ان يتصدق بلحمه والأولى ان يتصدق به على مساكين مكة وان تصدق على غيرهم أجزأه عندنا لما بينا في الفصل الأول وإن كان ذلك في أيام النحر فعليه ان ينحر بمنى كما هو السنة في الهدايا وإن كان في غير أيام النحر فعليه ان يذبح بمكة وهذا على سبيل بيان الأولى فاما في حكم الجواز إذا ذبحه في الحرم جاز كما قال صلى الله عليه وسلم منى منحر وفجاج مكة كلها منحر (قال) ولو قال إن فعلت كذا فعلى هدى ففعله كان عليه ما استيسر من الهدى شاة لان اسم الهدى عند الاطلاق يتناول الإبل والبقر والغنم فان هذه الحيوانات يتقرب بإراقة دمها الا ان عند الاطلاق يلزمه المتيقن وهو الشاة فان نوى الإبل أو البقر كان عليه ما نوى لأنه شدد الامر على نفسه في نيته ونوى التعظيم فيما التزمه من الهدى فيلزمه ما نوى ولا يذبحها الا بمكة لتصريحه بالهدى فإن كان قال على بدنة فإن كان نوى شيئا من البدن بعينه فعليه ما نوى لان المنوي إذا كان من محتملات كلامه فهو كالمصرح به وإن لم يكن له نية فعليه بقرة أو جزور لان اسم البدنة مشتق من البدانة وهي الضخامة والعظم وذلك لا يتناول الشاة وإنما يتناول البقرة والجزور هكذا نقل عن علي وابن عباس رضي الله عنهما وعن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما ان لفظة البدنة لا تتناول الا الجزور فان سائلا سأل
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»
الفهرست