المبسوط - السرخسي - ج ٤ - الصفحة ١٦٨
بين أهل الميقات وأهل الآفاق في أنه لا يدخل أحد منهم مكة الا محرما وحجتنا في ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم رخص للحطابين أن يدخلوا مكة بغير احرام والظاهر أنهم لا يجاوزون الميقات فدل أن كل من كان داخل الميقات له أن يدخل مكة بغير احرام وابن عمر رضي الله عنه خرج من مكة يريد المدينة فلما انتهى إلى قديد بلغته فتنة بالمدينة فرجع إلى مكة ودخلها بغير احرام وكان المعنى فيه أن من كان داخل الميقات فهو بمنزلة أهل مكة لأنه محتاج إلى الدخول في كل وقت ولان مصالحهم متعلقة باهل مكة ومصالح أهل مكة متعلقة بهم فكما يجوز لأهل مكة أن يخرجوا لحوائجهم ثم يدخلوها بغير احرام فكذا لأهل الميقات وهذا لأنا لو ألزمناهم الا حرام في كل وقت كان عليهم من الضرر مالا يخفى فربما يحتاجون إليه في كل يوم فلهذا جوزنا لهم الدخول بغير احرام الا إذا أرادوا النسك فالنسك لا يتأدى الا بالاحرام وإرادة النسك لا تكون عند كل دخول وإذا أراد الاحرام وأهله في الوقت أو دون الوقت إلى مكة فوقته من أهله حتى لو أحرموا من الحرم أجزأهم وليس عليهم شئ لأن خارج الحرم كله بمنزلة مكان واحد في حقه والحرم حد في حقه بمنزلة الميقات في حق أهل الآفاق وكما أن ميقات الآفاقي للاحرام من دويرة أهله ويسعه التأخير إلى الميقات فكذا هنا يسعه التأخير إلى الحرم ولكن الشرط هناك أن لا يجاوز الميقات الا محرما والشرط هنا أن لا يدخل الحرم الا محرما لان تعظيم الحرم بهذا يحصل فان دخل مكة قبل أن يحرم فاحرم منها فعليه أن يخرج من الحرم فيلبى فإن لم يفعل حتى يطوف بالبيت فعليه دم لأنه ترك الميقات المعهود في حقه للاحرام فهو بمنزلة الآفاقي يجاوز الميقات بغير احرام ثم يحرم وراء الميقات وهناك يلزمه الدم إذا لم يعد لتأخير الاحرام عن مكانه فكذلك هنا يلزمه الدم إذا لم يعد إلى الحل وان عاد فالخلاف فيه مثل الخلاف في الآفاقي إذا عاد إلى الميقات بعد ما أحرم وراء الميقات على ما نبينه بعد هذا إن شاء الله تعالى (قال) وان أراد الكوفي بستان بني عامر لحاجة فله أن يجاوز الميقات غير محرم لان وجوب الاحرام عند الميقات على من يريد دخول مكة وهذا لا يريد دخول مكة إنما يريد البستان وليس في تلك البقعة ما يوجب التعظيم لها فلهذا لا يلزمه الاحرام فإذا حصل بالبستان ثم بدا له أن يدخل مكة لحاجة له كان له ان يدخلها بغير احرام لأنه لما حصل بالبستان حلالا كان مثل أهل البستان ولأهل البستان أن يدخلوا مكة لحوائجهم من غير احرام فكذلك هذا الرجل وهذا هو الحيلة لمن يريد دخول
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»
الفهرست