المبسوط - السرخسي - ج ٤ - الصفحة ١٥٧
يحج عنه بعد موته من منزله فإن كان ثلث ماله لا يكفي للحج من منزله يحج عنه من حيث يبلغ استحسانا وفى القياس تبطل هذه الوصية لأنه عجز الوصي عن تنفيذ ما أمر به وهو الحج من منزله فكان هذا بمنزلة ما إذا أوصي بأن يشترى نسمة بألف درهم فتعتق عنه وكان ثلث ماله دون الألف درهم تبطل الوصية وجه لاستحسان ان المقصود من الحج ابتغاء مرضاة الله تعالى ونيل الثواب فيكون بمنزلة الوصية بالصدقة وذلك ينفذ بحسب الامكان بخلاف الوصية بالعتق فان العبد إن كان معينا فالوصية تقع له وكذلك إن لم يكن معينا فإنما أوصى بعبد يساوى ألفا فلا يجوز تنفيذه بعبد يساوي خمسمائة فلو وجدوا من يحج عن الميت من منزله بذلك المال ماشيا لا يجوز لهم ان يحجوا من منزله وإنما يجوز من حيث يبلغ راكبا حتى قال محمد رحمه الله تعالى في النوادر راكب البعير في ذلك أفضل من راكب الحمار وهذا لأنه لا يلزمه ان يحج بنفسه ماشيا وان وجد النفقة فكذلك لا يحج عنه ماشيا لان الحاصل للميت ثواب النفقة على ما بينا وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال الخيار إلى الوصي ان شاء أحج عنه من حيث يبلغ راكبا وان شاء من منزله ماشيا لان في أحد الجانبين زيادة في المسافة ونقصان في النفقة وفي الجانب الآخر زيادة في النفقة ونقصان في المسافة وفي كل واحد منهما نيل الثواب فيختار الوصي أي الجانبين شاء فاما المحصر بعد ما تحلل فعليه قضاء الحج والعمرة بمنزلة ما لو كان أحرم عن نفسه فتحلل بالهدى وهذا شاهد لمحمد رحمه الله تعالى فان المحصر غير مخالف ومع ذلك كان قضاء الحجة والعمرة عليه فدل ان أصل حجه عن نفسه وان للميت ثواب النفقة فان أمره رجلان كل واحد منهما بالحج فأهل بحجة عنهما كان ضامنا لهما جميعا لان كل واحد منهما أمره بأن ينفق من ماله في سفر يخلص له وان ينويه بعينه عند الاحرام وإذا لم يفعل صار مخالفا ولا يستطيع ان يجعل الحجة لواحد منهما لأنهما قد لزماه عن نفسه وهذا لأنه حين نواهما ولم يمكن تصحيح نيته عنهما لان الحجة الواحدة لا تكون عن الاثنين وليس أحدهما بأولى من الآخر فبطلت نيته عنهما فبقيت نية أصل الاحرام فكان محرما عن نفسه فلا يستطيع ان يحوله إلى غيره من بعد وهذا بخلاف من أحرم عن أبويه كان له أن يجعله عن أيهما شاء لأنه متبرع وكان ذلك أمرا بينه وبين الله تعالى فلا يتحقق الخلاف في تركه تعيين أحدهما في الابتداء بل يجعل التعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء وهنا هو غير متبرع فيما صنع وهذا أمر بينه وبين العباد فبترك التعيين في
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»
الفهرست