المبسوط - السرخسي - ج ٤ - الصفحة ١٥٨
الابتداء يصير مخالفا وان أمره أحدهما بالحج والآخر بالعمرة ولم يأمراه بالجمع فجمع بينهما كان مخالفا أيضا لأنه ما أتي بسفر خالص لواحد منهما فلم يكن مستوجبا للنفقة في مال واحد منهما وان أمراه بالجمع جاز لان كل واحد منهما صرح أن مقصوده تحصيل النسك لا خلوص السفر له وقد حصل مقصود كل واحد منهما ولا ضمان عليه فيما أنفق من مالهما وهدى المتعة عليه في ماله وكذلك أن أمره بالقران رجل واحد لان الهدى نسك وسائر المناسك على الحاج فكذا هذا النسك (قال) رجل استأجر رجلا ليحج عنه لم تجز الإجارة عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى تجوز واصل المسألة ان الاستئجار على الطاعات التي لا يجوز أداؤها من الكفار لا يجوز عندنا وعند الشافعي رضي الله عنه كل مالا يتعين على الأجير أداؤه يجوز الاستئجار عليه إذا كان تجزى فيه النيابة واستدل بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه حيث رقى الملدوغ بفاتحة الكتاب فأعطى قطيعا من الغنم فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق والرقية بهذه الصفة طاعة ثم جوز أخذ البدل عليه والمعنى فيه أن الحج تجزى فيه النيابة في الأداء ولا يتعين على الأجير اقامته فيجوز استئجاره عليه كبناء الرباط والمسجد وبهذا الوصف تبين ان عمل الأجير وقع للمستأجر والدليل عليه انه استوجب النفقة في ماله عندكم وإنما يستوجب النفقة في ماله إذا عمل له والدليل عليه أنه إذا خالف لا يستوجب النفقة عليه وإذا وقع عمله له استحق الاجر عليه بخلاف من استؤجر على الإمامة فان عمله في الصلاة يقع له لا لغيره وكذلك من استؤجر على الجهاد فان المجاهد يؤدى الفرض لنفسه فلا يكون عمله لغيره وحجتنا في ذلك حديث مرداس السلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إياك والخبز الرقاق والشرط على كتاب الله وحديث أبي بن كعب رضي الله عنه حين علم سورة من القرآن فأعطى قوسا فقال صلى الله عليه وسلم أتحب ان يقوسك الله بقوس من النار فقال لا فقال صلوات الله عليه رد عليه قوسه وفي حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا اتخذت مؤذنا فلا تأخذ على الأذان أجرا ولان المباشر لعمل الطاعة عمله لله تعالى فلا يصير مسلما إلى المستأجر فلا يجب الاجر عليه بخلاف بناء الرباط والمسجد فالعمل هناك ليس بعبادة محضة بدليل أنه يصح من الكافر والدليل عليه أن المؤذن والمصلى خليفة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما كان يأخذ أجرا كما قال الله تعالى قل لا أسئلكم عليه أجرا
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»
الفهرست