المبسوط - السرخسي - ج ٤ - الصفحة ١٠٤
بمنزلة ما لو قتل صيدا مملوكا في الحرم (قال) وان قطع رجلان شجرة من شجر الحرم فعليهما قيمة واحدة على قياس صيد الحرم إذا قتله رجلان الا ان هنا يستوى ان كانا محرمين أو حلالين بخلاف صيد الحرم لان حرمة الصيد في حق ا لمحرم بسبب الاحرام فيتكامل على كل واحد منهما فاما حرمة الشجرة بسبب الحرم لان الاحرام يمنع قطع الشجرة فلهذا كان المحرم والحلال في ذلك سواء ويكون الواجب على كل واحد منهما نصف القيمة ولا يجزى فيه الصيام إنما يهدى أو يطعم على قياس ما بينا في صيد الحرم في حق الحلال (قال) ولا أحب له ان ينتفع بتلك الشجرة التي أدى قيمتها لأنه لو أبيح له ذلك لتطرق الناس إلى مثله فلا تبقى أشجار الحرم وفى ذلك ايحاش صيد الحرم ولكنه لو انتفع بها فلا شئ عليه لان المقطوع صار مملوكا له بما غرم من القيمة وليس للمقطوع حرمة الحرم بعد القطع فلا شئ عليه في الانتفاع الا ترى أنه لو ذبح صيد الحرم ثم تناوله بعد ما أدى الجزاء لم يلزمه بالتناول شئ فهذا مثله فان غرسها فنبتت فله أن يقطعها ويصنع بها ما شاء لان المقطوع ملكه وهو الذي أنبته وقد بينا ان ما ينبته الناس لا يثبت فيه حرمة الحرم (قال) وما تكسر من شجر الحرم ويبس حتى سقط فلا بأس بالانتفاع به لان ثبوت الحرمة بسبب الحرم بما يكون ناميا فيه حياة مثله والمتكسر وما يبس ليس فيه معنى النمو فلا بأس بالانتفاع به (قال) ولا يختلى حشيش الحرم ولا يقطع الا الإذخر فإنه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه رخص فيه وإنما أراد به ما روى أن العباس رضي الله عنه لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها قال الا الإذخر يا رسول الله فإنها لقبورهم وبيوتهم أو لبيوتهم وقبورهم فقال صلى الله عليه وسلم الا الإذخر وتأويل هذا أنه كان من قصده صلى الله عليه وسلم ان يستثنى إلا أن العباس سبقه لذلك أو كان أوحى إليه أن يرخص فيما يستثنيه العباس رضي الله عنه وكما لا يرخص في قطع الحشيش في الحرم بالمنجل فكذلك لا يرخص في رعى الدواب في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا بأس بالرعي لان الذين يدخلون الحرم للحج أو العمرة يكونون على الدواب ولا يمكنهم منع الدواب من رعى الحشيش ففي ذلك من الحرج ما لا يخفى فيرخص فيه لدفع الحرج وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى لا بأس بأن يحتش ويرعى لأجل البلوى والضرورة فيه فإنه يشق على الناس حمل علف الدواب من خارج الحرم ولكن أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى استدلا بقوله
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»
الفهرست