المبسوط - السرخسي - ج ٤ - الصفحة ١١٥
ممنوعا منهما فقد تعذر عليه الاتمام والتحلل بالطواف فيكون محصرا كما لو أحصر في الحل (قال) رجل أهل بعمرتين معا فسار إلى مكة ليقضيهما ثم أحصر قال يبعث بالهدى لواحد والأصل في هذه المسألة أن نقول من أحرم بعمرتين معا أو بحجتين معا انعقد احرامه بهما في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد والشافعي رحمهما الله تعالى ينعقد احرامه بأحدهما لان الاحرام غير مقصود لعينه بل لأداء الأفعال به ولا يتصور أداء حجتين في سنة واحدة ولا أداء عمرتين في وقت واحد والعقد إذا خلا عن مقصوده لا يكون منعقدا أصلا فإذا خلا أحد العقدين هنا عما هو مقصود لم ينعقد الاحرام الا بأحدهما وقاسا بالصوم والصلاة فان من شرع في صومين في يوم واحد أو في صلاتين بتكبيرة واحدة لا يصير شارعا الا في أحدهما وهذا على أصل الشافعي رحمه الله تعالى واضح لان عنده الاحرام من الأركان ولهذا لا ينعقد الاحرام بالحج في غير أشهر الحج عنده وعند محمد رحمه الله تعالى وإن كان الاحرام من الشرائط ففي بعض الأحكام جعل من الأركان. ألا ترى أن فائت الحج ليس له أن يستديم الاحرام إلى أن يؤدى الحج به في السنة القابلة ولو كان من الشرائط لكان له ذلك كما في الطهارة للصلاة فإذا كان من الأركان فهو بمنزلة سائر الأعمال لا يتصور اجتماع المثنى منه في وقت واحد كالوقوف لحجتين والطواف لعمرتين وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا لا تنافي بين العقدين بدليل انه يثبت أحدهما وهما متساويان والأصل أنه إذا كان منافاة بين العقدين المتساويين أن لا يثبت أحدهما كنكاح الأختين معا وإذا ثبت أنه لا منافاة انعقد الاحرام ثم أداء الأفعال لا يتصل بالاحرام والتنافي بينهما في أداء الأفعال وإذا كان أداء الأفعال لا يتصل بالاحرام لا يمنع انعقاد الاحرام بهما بخلاف الصوم والصلاة فالشروع هناك من الأداء ويتصل به الأداء والوقت معيار الصوم فلا يتصور أداء الصومين في وقت واحد ثم الاحرام سبب لالتزام الأداء من غير أن يتصل به الأداء فيكون بمنزلة النذر والنذر بالعمرتين صحيح وقد بينا فيما سبق ان الاحرام من جملة الشرائط ابتداء وان أعطى له حكم الأركان انتهاء فكان بمنزلة الطهارة فلا تتحقق المنافاة فيه كمن تطهر لأداء الصلاتين إذا عرفنا هذا فنقول عند أبي يوسف رحمه الله تعالى من عقد احرامه بهما يصير رافضا لأحدهما لأنه كما فرغ من الاحرام جاء أوان أداء الاعمال والمنافاة متحققة فيصير رافضا لأحدهما وعليه دم لرفضها ويمضى في الآخر فإن كان أحرم بعمرتين فعليه
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»
الفهرست