مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٨ - الصفحة ٤٤٦
ويجوز الفتح، والضم في الثاني. وتعقبه ابن التين بأنه لا يقله غيره وإنما يقال عتق بالفتح وأعتق بضم الهمزة لان الفعل لازم غير متعد. وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: قال صاحب المحكم: العتق خلاف الرق. عتق يعتق عتقا وعتقا وعتاقا وعتاقة فهو عتيق وحلف بالعتاق أي بالاعتاق انتهى. فتحصل من هذا أنه يقال العتق بكسر العين وفتحها، والعتاق والعتاقة بفتحها فقط، وأنه يقال عتق يعتق كضرب يضرب، ولا يقال عتق بضم العين والله أعلم. وقال في الذخيرة: والعتق في اللغة الخلوص ومنه عتاق الخيل وعتاق الطير أي خالصوها، والبيت الحرام عتيق لخلوصه من أيدي الجبابرة، وفي الشرع خلوص الرقبة من الرق انتهى.
وقيل: سمي البيت عتيقا لأنه أول بيت وضع للناس، وقيل لخلوصه من الطوفان، وقيل لخلوصه من أيدي الجبابرة والله أعلم. وأما في الشرع فقال ابن عبد السلام: استغنى ابن الحاجب عن تعريف حقيقته لشهرتها عند العامة والخاصة فقال ابن عرفة: يريد قوله بأن ذلك من حيث وجودها لا من حيث إدراك حقيقتها، بل كثير من المدرسين لو قيل له ما حقيقة العتق لم يجب بشئ، ومن تأمل وأنصف أدرك ما قلناه والله أعلم بمن اهتدى انتهى، وعرفه في التنبيهات وابن رشد كالقرافي بأنه ارتفاع الملك عن الرقيق وليس بمانع كما سيأتي في الكلام ابن عرفة فإنه قال: العتق رفع ملك حقيقي لا بسباء محرم عن آدمي حي. فخرج بحقيقي استحقاق عبد بحرية، وخرج بسباء محرم فداء المسلم من حربي سباه أو ممن صار له منه، وخرج بقوله: عن آدمي حي رفعه عنه بموته انتهى. وقوله: ملك يصدق برفع ملك وانتقاله إلى ملك آخر فتأمله، فيكون غير مانع. وكذلك يصدق على عبد الحربي إذا أسلم وبقي عند سيده حتى غنمه المسلمون فإنه حر على المشهور وليس هذا عتقا اصطلاحا. وكذلك يصدق حده على وقف الرقيق على مقابل المشهور القائل بأن ملك الواقف ارتفع عن الموقوف فتأمل ذلك. ولو قال رفع الملك الحقيقي الكائن لمسلم عن آدمي حي من غير تحجير منفعته، لسلم فيما يظهر من جميع ما يريد عليه ويكون اللام في الملك للحقيقة والله أعلم.
وقوله: عن آدمي حي يؤخذ منه صحة عتق من في السياق. قال في المسائل الملقوطة: لو أعتق من في سياق الموت الظاهر صحة العتق لأنه لو عاش لم يعد رقيقا فترتب عليه أحكام الحرية ويصلى عليه في صف الرجال الأحرار ويحاز ولاؤه لمعتقه، ولو قذفه أحد في تلك الحال بعد العتق حد له على أنه حر. وكذلك لو أجهز عليه أحد فقتله وهو في السياق فحكمه حكم الحر لا حكم العبد، ففي النظر هل يحصل له من الثواب في عتق ثواب من أعتق صحيحا ولا شك أنه خلصه من الرق ولأنه قابل لان يهبه لرجل بغير ثواب، فكذلك تنجيز عتقه لله تعالى من تسهيل المهمات في قوله: ولا يباع من في السياق انتهى. وحكمه الندب وهو من أفضل الأعمال وأعظم القربات، ويدل على عظيم قدره ما في الصحيح من حديث أبي هريرة. قال: قال رسول الله (ص): لن يجزي ولد والده إلا أن
(٤٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 ... » »»
الفهرست