مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٨ - الصفحة ١١٥
فجائز له قبوله، وما أهدي إليه رجاء العون على خصمه أو في مسألة تعرض عنده رجاء قضاء حاجته على خلاف المعمول به فلا يحل قبولها وهي رشوة يأخذها، وكذلك إذا تنازع عنده خصمان فأهديا إليه جميعا أو أحدهما يرجو كل واحد منهما أن يعينه في حجته أو عند حاكم إذا كان ممن يسمع منه ويوقف عنده فلا يحل له الاخذ منهما ولا من أحدهما. انتهى. وقال ابن عرفة: قال بعض المتأخرين: ما أهدي للمفتي إن كان ينشط للفتيا أهدي له أم لا فلا بأس، وإن كان إنما ينشط إذا أهدي له فلا يأخذها. وهذا ما لم تكن خصومة، والأحسن أن لا يقبل من صاحب الفتيا وهو قول ابن عيشون وكان يجعل ذلك رشوة.
قلت: قد يخف قبولها لمن كان محتاجا ولا سيما إن كان اشتغاله بأصولها يقطعه عن التسبب ولا رزق له عليها من بيت المال، وعليه يحمل ما أخبرني به غير واحد عن الشيخ الفقيه أبي علي بن علوان أنه كان يقبل الهدية ويطلبها ممن يفتيه. وفي الطراز: وظاهره لابن عيشون ومن هذا انقطاع الرغبة للعلماء والمتعلقين بالسلطنة لدفع الظلم عنهم فيما يهدونه لهم ويخدمونهم هو باب من أبواب الرشوة، لان دفع الظلم واجب على كل من قدر على دفعه عن أخيه المسلم وعن الذمي. انتهى.
السادس: قال القرافي في آخر كتاب الدعاوى من الذخيرة.
فرع: قال بعض العلماء: إذا عجزت عن إقامة الحجة الشرعية فإن استعنت على ذلك بوال يحكم بغير الحجة الشرعية أثم دونك إن كان الحق جارية يستباح فرجها، بل يجب ذلك عليك لان مفسدة الوالي أخف من مفسدة الزنا والغصب، وكذلك الزوجة، وكذلك استعانتك بالأجناد يأثمون ولا تأثم، وكذلك في غصب الدابة وغيرها. وحجة ذلك لان الصادر من المعين عصيان لا مفسدة فيه، والجحد والغصب عصيان مفسدة، وقد جوز الشارع الاستعانة بالمفسدة لا من جهة أنها مفسدة على درء مفسدة أعم منها كفداء الأسير، فإن أخذ الكفار لما لنا حرام عليهم وفيه مفسدة إضاعة المال، فما لا مفسدة فيه أولى أن يجوز. فإن كان الحق يسيرا نحو كسرة أو تمرة حرمت الاستعانة على تحصيله بغير حجة شرعية لان الحكم بغير ما أمر الله أمر عظيم لا يباح باليسير. انتهى كلامه بلفظه ولم يذكر غيره. فتوجيهه إياه واقتصاره عليه يقتضي أنه ارتضاه والله أعلم.
السابع: قال ابن فرحون: أجاز بعضهم إعطاء الرشوة إذا خاف الظلم على نفسه وكان الظلم محققا انتهى. وقال ابن عرفة إثر نقله كلام بعضهم: ويقوم هذا من قولها: وإن طلب السلابة طعاما أو ثوبا أو شيئا خفيفا رأيت أن يعطوه انتهى. وقال البرزلي: قبل مسائل الطهارة بنحو صفحة: وفي الطرر قال ابن عيشون: أجاز بعضهم إعطاء الرشوة إذا خاف الظلم على نفسه وكان محقا. وقال قبله: قال أبو بكر بن أويس: يحرم على القاضي أخذ الرشوة في
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»
الفهرست