مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٤ - الصفحة ٩٢
الثاني: قال ابن معلى: قال بعض العلماء رضي الله عنهم: وكيفية الطواف أن يمر بجميع بدنه على الحجر وبذلك بأن يستقبل البيت ويقف إلى جانب الحجر الذي إلى جهة الركن اليماني بحيث يصير جميع الحجر عن يساره يمينه ويصير منكبه الأيمن عند طرف الحجر، ثم ينوي الطواف لله تعالى، ثم يمشي مستقبل الحجر مارا إلى جهة يمينه حتى يجاوز الحجر بجميع بدنه، فإذا جاوزه انفتل وجعل يساره إلى البيت ويمينه إلى خارج، ولو فعل هذا في الأول وترك استقبال الحجر جاز ذكر هذه الكيفية حذاق الشافعية. قلت: ولم أرد من تعرض لها من أئمة المالكية، ولا شك أن الاتيان بها للخروج من الخلاف من باب الأولوية لأن النووي رحمه الله قال: لا يصح طواف من لم يمر بجميع بدنه على جميع الحجر. انتهى كلام ابن المعلى ونقله التادلي عنه وأصله للنووي في الايضاح. وحاصل كلامه فيه أنه يشترط في صحة الطواف أن يمر بجميع بدنه على جميع الحجر، والمستحب في ذلك أن يستقبله على الكيفية المذكورة، فإن جعل الحجر الأسود عن يساره من الأول ومر بجميع بدنه عليه جاز ولكن فاته المستحب كما صرح بذلك النووي في الكلام على الواجب الرابع من واجبات الطواف، ولم يذكر ابن المعلى كلام النووي جميعه بل اقتصر على كلامه في كيفية ابتداء الطواف. وظاهر كلام ابن معلى بل صريحه أن هذه الكيفية ينبغي أن تكون مطلوبة أيضا في المذهب، وكذلك ظاهر كلام التادلي.
وما قالاه غير ظاهر فقد نازع المتأخرون من الشافعية النووي في استحباب الكيفية المذكورة، قال ابن جماعة إثر كلامه المتقدم: حكى ابن الصلاح استحباب الكيفية الأولى من هاتين الكيفيتين في الطوفة الأولى خاصة دون ما بعدها عن الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب في طائفة من العراقيين، وجزم النووي بأنه إذا تركها فاتته الفضيلة. ثم قال ابن جماعة: ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر أن رسول الله (ص) لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا، فمن بدأ بالطواف مستقبلا للحجر إلى أن جاوزه ثم انفتل فقد خالف السنة ومضى جزء من طوافه والبيت ليس على يساره، ولم ينقل ذلك عن سيدنا رسول الله (ص) المبين عن الله ولا عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين مع توفر الدواعي على النقل، ولم يذكره الشافعي رحمه الله ولا الخراسانيون من الشافعية ولا الرافعي، واقتصروا على الكيفية الثانية، فالصحيح عدم استحباب الكيفية الأولى وكراهتها لما قدمناه، ولان ارتكابها قد يوقع في الأذى وأنا ممن تأذى بها فإن بعض فقهاء الشافعية عمل بها وأنا معه في الطواف وكنت وراءه حين مشى مستقبل الحجر قبل أن يجاوزه ولم أدر به فانفتل عند مجاوزته الحجر ولم يرني فداس رجلي فآذاني برجله بدوسته انتهى.
وقال الزركشي مع الشافعية أيضا: يلزم على الكيفية الأولى يعني التي استحبها النووي ثلاثة أمور: تأخيره إلى صوب الركن اليماني بعد استلام الحجر، ومشيه مستقبلا حتى يقطع الحجر، وانفتاله بعد مجاوزته الحجر. وإذا كان أبو الطيب لم يسمح بتكبيرة لم تثبت فكيف
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»
الفهرست