الفساد. وقيل لمحمد بن عبد الحكم في الرجل يوصي أن يبنى على قبره فقال: لا ولا كرامة يريد بناء البيوت - ولا بأس بالحائط اليسير الارتفاع ليكون حاجزا بين القبور لئلا يختلط الانسان موتاه مع غيرهم ليترحم عليهم ويجمع عليهم غيرهم. وليس لأحد أن يدفن في مقبرة غيره إلا أن يضطر إلى ذلك، فإن اضطر لم يمنع لأن الجبانة أحبس ليس لأحد فيها شئ، ويمنع مع الاختيار لأن للناس أغراضا في صيانة موتاهم وتعاهدهم بالترحم انتهى. وقال الباجي في المنتقى: ومن السنة تسنيم القبر ولا يرفع قاله ابن حبيب. وقد روي عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي (ص) مسنما، فأما بنيانه ورفعه على وجه المباهاة فممنوع. وروى ابن القاسم عن مالك في العتبية: إنما كره أن يرصص على القبر بالحجارة أو الطين أو الطوب انتهى. وقال في التنبيهات: وقوله في المدونة والبناء عليها بهذه الحجارة أو الطين أو الطوب انتهى. وقال في التنبيهات: هو رفعها وتعظيمها. ثم قال: وأما الخلاف في بناء البيوت عليها إذا كانت في غير أرض محبسة وفي المواضع المباحة وفي ملك الانسان فأباح ذلك ابن القصار، وقال غيره: ظاهر المذهب خلافه انتهى. وقال ابن بشير: وينهى عن بنائها يعني القبور على وجه يقتضي المباهاة.
والظاهر أنه يحرم مع القصد. ووقع لابن عبد الحكم فيمن أوصى أن يبنى على قبره بيت أنه تبطل وصيته. وظاهر هذا التحريم وإلا لو كان مكروها لنفذت وصيته ونهي عنها ابتداء. وأما البناء الذي يخرج عن حد المباهاة فإن كان القصد به تمييز الموضع حتى ينفرد بحيازته فجائز، وإن كان القصد به تمييز القبر عن غيره فحكى أبو الحسن عن المذهب قولين: الكراهة وأخذها من إطلاقه في المدونة، والجواز في غير المدونة. والظاهر أنه متى قصد ذلك لم يكره، وإنما كره في المدونة البناء الذي لا يقصد به علامة وإلا فكيف يكره ما يعرف به الانسان قبر وليه ويمتاز به القبر حتى يحترم ولا يحفر عليه إن احتيج إلى قبر ثان؟ انتهى. وقال ابن الحاجب: ويكره البناء على القبور، فإن كان للمباهاة حرم، وإن كان لقصد التمييز فقولان: قال ابن عبد السلام: يعني أن البناء إما أن يقصد به المباهاة أو التمييز أو لا يقصد به شئ من ذلك والأول حرام. وربما كان ذلك حكم الحي فيما يحتاج إليه من أكل ولباس وركوب وبناء وغيره.
والثاني مختلف في كراهته وإباحته. والثالث مكروه. وقد وضع رسول الله (ص) حجرا بيده الكريمة عند رأس عثمان بن مظعون وقال: أعم به قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي. وأما تجويز موضع الدفن ببناء فقالوا: إنه جائز إذا لم يرفع فيه إلى قدر يأوى إليه بسبب ذلك أهل الفساد، وإن فعل ذلك فإنه يزال منه ما يستر أهل الفساد ويترك باقيه انتهى. وقال في التوضيح:
يعني أن البناء إما أن يكون لقصد المباهاة أو التمييز أو لا يقصد به شئ، والأول حرام وهكذا نص عليه الباجي، والثالث مكروه، والثاني مختلف فيه بالجواز والكراهة. ابن بشير: والقولان حكاهما اللخمي واختار الكراهة من إطلاق المدونة والجواز في غيرها قال: والظاهر أن البناء لقصد التمييز غير مكروه وإنما كره في المدونة البناء الذي لا يقصد به العلامة وإلا فكيف يكره