وما أعلى من حيطانها إلى حدها، هل يلزم أن يترك من جدرانها ما يمنع دخول الدواب أم لا قطعا للذريعة ولا يترك منها إلا ما أباحه أهل العلم من الجدار اليسير لتميز به قبور الأهلين والعشائر للتدافن؟ وكيف إن قال بعضهم لبقاء جداري منفعة لصيانة ميتي لئلا يتطرف إليه للحدث عليه، لا سيما ما كان منها بقرب العمارة، وليس هذا عند من يوجب أن يترك عليها من الجدرات أقل ما يمنع هذا أم لا، لأن الضرر العام بظهور البدعة في بنائها أو تعليتها أعظم وأشد مع أنه لا يؤمن استتار أهل الشر والفساد فيها بعض الأحيان وذلك أضر بالحي والميت من الحدث عليه، ومراعاة أشد الضررين وأحقهما مشروع بينه، وجاوب عليه مشكورا مأجورا والسلام.
فأجاب: تصفحت سؤالك الواقع فوق هذا وقفت عليه. وما يبنى من السقائف والقبب والروضات في مقابر المسلمين هدمها واجب، ولا يجب أن يترك من حيطانها إلا قدر ما يميز به الرجل قبور قرابته وعشيرته من قبور سواهم لئلا يأتي من يريد الدفن في ذلك الموضع فينبش قبر امرأته. والحد في ذلك ما يمكن دخوله من كل ناحية ولا يفتقر إلى باب. ثم سأله القاضي عياض عن نقض هذه الأبنية، هل هي لعامة المسلمين إذا بناها بانيها في الحبس وقد علمت ما وقع في هذا الأصل من الخلاف، أن ترجع إلى ملك صاحبها وهو الأشبه؟ والصحيح أنه وإن قلنا بذلك الأصل فهذا حبس غير مأذون فيه ولا مشروع بل هو محظور منهي عنه فهو رد فأردت جوابك. فأجاب: النقض لأربابه الذي بنوه لا يكون حبسا كالمقبرة التي جعل فيها، ولا يدخل في ذلك الاختلاف في نقض ما يبنى في الحبس للمعنى الذي ذكرت من الفرق بين الوجهين. وقال في موضع آخر من أجوبته: ونقض ما يبنى في الروضات لا يلحق بالحبس للمعنى الذي ذكرت من الفرق بين الموضعين فإنه صحيح انتهى. وسئل أيضا عن قبر علا بناؤه نحو العشرة أشبار وأزيد، هل يجب هدمه وتغير بدعته، وكيف إن شكى بعض جيرانه أنه يستر باب فندقه عن بعض الوراد ويمنع النظر للجلاس في أسطوانته، هل لصاحب الفندق فيه حجة إذ يقول منعتني منفعتي لغير منفعة بل لما لا يجوز؟ وهل لأولياء القبر حجة فيجوز لهم بناؤه، وكيف إن كان بناؤه قبل بناء الفندق؟ فأجاب إن كان البناء على نفس القبر فلا يجوز ويهدم، وإن لم يكن إلا حواليه كالبيت يبنى عليه فإن كان في ملك الرجل وحقه فلا يهدم عليه، وإن كان ما ذكرت من حجة صاحب الفندق المواجه له، وإن كان في مقابر المسلمين فقد تقدم فوق هذا أن هدمه واجب فقد صرح بأن البناء لتمييز القبور جائز في مقابر المسلمين وهو نحو ما تقدم عن الجماعة المذكورين أولا، وظاهر كلام المصنف في التوضيح في آخر كلامه. وأما الموقوف كالقرافة بمصر فلا يجوز البناء بها مطلقا، إنه لا يجوز البناء ولو كان يسيرا لتمييز قبور الأهل إلا أن يقال: إنما كلامه في بناء البيوت والقبب ونحو ذلك بدليل أنه قدم أولا أن البناء للتحويز جائز وقبله ولم يعترض عليه، وكلام ابن الفاكهاني في شرح الرسالة أقوى في المنع من