مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٦١
ما قصد به معرفة قبر وليه؟ ولم يجزم ابن بشير بتحريم القسم الأول بل قال: الظاهر أنه يحرم وذكر كلامه المتقدم إلى قوله لنفذ وصيته. ثم قال في التوضيح: وأجاز علماؤنا ركز حجر أو خشبة عند رأس الميت ما لم يكن منقوشا لما روي أنه (ص) وضع بيده الكريمة حجرا عند رأس عثمان بن مظعون وقال: أعلم به قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي. وكره ابن القاسم أن يجعل على القبر بلاطة ويكتب فيها، وأما تحويز موضع الدفن ببناء وذكر كلام ابن عبد السلام المتقدم ثم قال: وفي التنبيهات اختلف في بناء البيوت عليها إذا كان بغير أرض محبسة وفي المواضع المباحة في ملك الانسان فأباح ذلك ابن القصار وقال غيره: ظاهر المذهب خلافه انتهى. وأما الموقوف كالقرافة التي بمصر فلا يجوز فيها البناء مطلقا ويجب على ولي الأمر أن يأمر بهدمها حتى يصير طولها عرضا وسماؤها أرضا. وقال في المدخل في فصل زيارة القبور:
البناء في القبور غير منهي عنه إذا كان في ملك الانسان لنفسه، وأما إذا كانت مرصدة فلا يحل البناء فيها. ثم ذكر أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل القرافة بمصر لدفن موتى المسلمين واستقر الامر على ذلك، وأن البناء بها ممنوع، وذكر عن بعض الثقات أنه أخبره أن السلطان الظاهر أمر باستفتاء العلماء في زمنه في هدم ما بها من البناء، فاتفقوا على لسان واحد أنه يجب على ولي الأمر أن يهدم ذلك كله ويجب عليه أن يكلف أصحابه رمي ترابها في الكيمان، ولم يختلف في ذلك أحد منهم. ثم إن الملك الظاهر سافر إلى الشام فلم يرجع انتهى. وقال ابن الفاكهاني في شرح الرسالة: أما تجصيص القبور فمتفق على كراهته إلا ما روي عن أبي حنيفة انتهى. فتحصل من هذا أن تطيين القبر أي جعل الطين عليه والحجارة مكروه، وكذلك تبييضه وكذلك البناء عليه نفسه، وكذلك التحويز حواليه ببيت ونحوه إذا لم يقصد بذلك المباهاة ولا التمييز، فإن قصد المباهاة بالبناء عليه أو حواليه أو تبييضه أو تطيينه حرم، فيكون الضمير في قوله بوهي به راجع إلى المذكور جميعه. قال ابن الفرات في شرحه:
ويحسن أن يعود الضمير في قوله وإن بوهي به على المذكور فيه أي وإن قصد المباهاة بالبناء أو التحويز أو التبييض حرم لأن زينة الدنيا ارتفعت بالموت انتهى. ويؤيده أيضا كلام ابن عبد السلام المتقدم أعني قوله: وربما كان ذلك حكم الحي فيما يحتاج إليه. وقوله وجاز للتمييز أي وجاز التحويز للتمييز ويحتمل أي وجاز البناء على القبر والتحويز عليه للتمييز، أما التحويز للتمييز فقد اتفق عليه كلام اللخمي وابن بشير وابن عبد السلام وأما البناء على القبر نفسه للتمييز فهو الذي اختاره ابن بشير. وظاهر كلام المصنف أن التحويز للتمييز يجوز مطلقا. سواء كانت الأرض مملوكة أو مباحة أو مسبلة للدفن، وهو الذي يفهم مما تقدم عن اللخمي وابن بشير وابن عبد السلام ومما في نوازل ابن رشد عنه وعن القاضي عياض ونصه.
وكتب إليه القاضي عياض يسأله فيما ابتدع من بناء السقائف والقبب والروضات على مقابر الموتى وخولفت فيه السنة، فقام بعض من بيده أمر في هدمها وتغييرها وحط سقفها
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست