مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٢٧٦
رسمه عبادة عدمية وقت طلوع الفجر حتى الغروب فلا يدخل ترك ما تركه ورع لعدم اقتضائه لذاته الوقت المخصوص. وقد يحد بأنه كف بنية عن إنزال يقظة ووطئ وإنعاظ ومذي ووصل غذاء غير غالب غبار وذباب وفلقة بين الأسنان لحلق أو جوف، زمن الفجر حتى الغروب دون إغماء أكثر نهاره. ولا يرد بقول ابن القاسم فيمن حلف ليصومن غدا فبيت وأكل ناسيا فلا شئ عليه لقول ابن رشد: هذا رعي للغو الاكل ناسيا وإلا زيد إثر جوف غير منسية في تطوع. وقال ابن رشد: إمساك عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية يبطل طرده قولها فيمن صب في حلقه ماء ومن جومعت نائمة ومن أغمي عليه أكثر نهاره وأمذى أو أمنى يقظة انتهى.
فائدة: أجمعت الأمة على وجوب صيام رمضان، فمن جحد وجوبه فهو مرتد، ومن امتنع من صومه مع الاقرار بوجوبه قتل حدا على المشهور من مذهب مالك. قال ابن عرفة:
صوم رمضان واجب جحده وتكره كالصلاة انتهى. وقال في فرض العين: والممتنع من صومه يقتل وكذلك الممتنع من الصلاة والوضوء وغسل الجنابة ولا يقتله إلا السلطان. وقال في التوضيح: وقول ابن حبيب بالقتل كفرا في تارك الصلاة أقوى منه في الصوم لأنه لا يوجد له من الأدلة ما يوجد للصلاة لأنا لا نعلم أحدا يوافقه على ذلك الصوم إلا الحكم بن عيينة بخلاف الصلاة، فإنه وافق فيها جماعة من الصحابة والتابعين انتهى.
قلت: فعلم منه أن المشهور أنه يقتل حدا. فقول عياض في قواعده أنه يحبس ومنع من الافطار مخالف للمشهور، فقد صرح بقتله لترك الصوم ابن يونس وغيره والله أعلم. واختلف في الصوم الواجب في أول الاسلام فقال في الذخيرة: قيل عاشوراء، قيل ثلاثة أيام من كل شهر انتهى. وذكر المهدوي عن معاذ أن الواجب في أول الاسلام عاشوراء وثلاثة أيام. وذكر عن عطاء أنه عاشوراء. واختلف في قوله تعالى: * (كما كتب على الذين من قبلكم) * فقيل: المراد به رمضان والذين كتب عليهم الأنبياء وأممهم وأنه كان واجبا على من قبلنا فجاء في الحر فحولوه وزادوا فيه. قال الشافعي. وقال: التشبيه في مطلق الصوم وإن اختلف العدد، وقيل غير ذلك والله أعلم.
تنبيه: أول ما فرض رمضان خير بين صومه وبين الاطعام لقوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) * ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * وكان في أول الأمر إنما يباح الشرب والاكل والجماع بعد الغروب إلى أن ينام المكلف أو يصلي العشاء فيحرم عليه جميع ذلك، ثم وقع لقيس بن صرمة - بكسر الصاد المهملة وسكون الراء - أنه طلب من امرأته ما يفطر عليه فذهبت لتأتي له به فوجدته قد نام فأصبح صائما فغشي عليه في أثناء النهار فنزل قوله تعالى: * (علم الله أنكم) *
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»
الفهرست