إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٤ - الصفحة ٤٣
أمي أو كيدها أو رجلها وإن لم يكن لها يد أو رجل أو نحو ذلك من الأعضاء الظاهرة أيضا، بخلاف الباطنة فيهما على المعتمد كالكبد والطحال والقلب، وبخلاف ما لا يعد جزءا كاللبن والريق، وإما كناية كأنت كأمي أو كعينها أو غيرها مما يذكر للكرامة كرأسها، فإن قصد الظهار كان ظهارا وإلا فلا. وجميع ما ذكر يعلم من كلامه تصريحا وتلويحا (قوله: إنما يصح الظهار ممن يصح طلاقه) فلا يصح ممن لا يصح طلاقه كالصبي والمجنون والمكره كما تقدم آنفا.
(واعلم) أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية كالايلاء فغير الشرع حكمه إلى تحريم المظاهر منها بعد العود ولزوم الكفارة ففيه شبه باليمين من حيث لزوم الكفارة وشبه بالطلاق من حيث ترتب التحريم عليه ولذلك صح توقيته نظرا للأول وتعليقه نظرا للثاني، فإن قال: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي تكون مظاهرا منها بدخولها الدار. ولو قال: إن ظاهرت من ضرتك فأنت علي كظهر أمي، فإذا ظاهر من الضرة صار مظاهرا منهما عملا بمقتضى التنجيز والتعليق وتأقيته يكون بيوم أو بشهر أو غيرهما فلو قال: أنت علي كظهر أمي خمسة أشهر كان ظهارا وإيلاء فتجري عليه أحكامهما فبالنظر للايلاء تصبر عليه المرأة أربعة أشهر ثم تطالبه بالفيئة أو الطلاق، فإن وطئ زال حكم الايلاء وصار عائدا في الظهار بالوطئ في المدة فيجب عليه النزع حالا ولا يجوز له وطؤها ثانيا حتى يكفر أو تنقضي المدة وكالمقيد بالزمان المقيد بالمكان كأن قال: أنت علي كظهر أمي في مكان كذا فيصير عائدا بالوطئ فيه فيجب عليه النزع حالا ولا يجوز وطؤها ثانيا في هذا المكان حتى يكفر (قوله: وهو) أي الظهار. وقوله أن يقول الخ: وهذا باعتبار صورته الأصلية الكثيرة الغالبة، وإلا فمثل القول الكتابة وإشارة الأخرس المفهمة كما تقدم (قوله: أنت) أي أو رأسك أو يدك ونحو ذلك من كل عضو ظاهر. وقوله كظهر أمي: أي أو بطنها أو عينها أو يدها أو رجلها - كما تقدم - وقوله ولا بدون علي: أي أن الظهار هو قول ما ذكر سواء زاد لفظ على بعد أنت أو لم يزده كالمثال الذي ذكره (قوله: وقوله) أي الزوج. وقوله أنت كأمي: أي أو كعينها أو رأسها مما يذكر للكرامة. وقوله كناية: أي فإن قصد به الظهار كان ظهارا وإلا فلا (قوله: وكالام محرم) أي بنسب أو رضاع أو مصاهرة، فإذا قال: أنت علي كظهر أختي من النسب أو من الرضاع أو كظهر أم زوجتي كان ظهارا (قوله: لم يطرأ تحريمها) الجملة صفة لمحرم: أي محرم لم يطرأ تحريمها على المظاهر. وخرج به من طرأ تحريمها عليه كزوجة ابنه وأم زوجته وزوجة أبيه بعد ولادته فإن هؤلاء كن حلالا له والتحريم فيهن طارئ، فلو شبه زوجته بواحدة منهن لم يكن مظاهرا منها - كما تقدم - (قوله: وتلزمه كفارة ظهار) أي وهي عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد طعام فهي مرتبة ابتداء وانتهاء، بخلاف كفارة اليمين فإنها مخيرة ابتداء مرتبة انتهاء لأنه يخير ابتداء بين الاطعام والكسوة والاعتاق، فإن لم يقدر على هذه الخصال صام ثلاثة أيام. ومثل كفارة الظهار كفارة جماع نهار رمضان، ومثلها أيضا كفارة القتل إلا أنها لا إطعام فيها اقتصارا على الوارد. وقوله بالعود:
الباء سببية متعلقة بتلزم: أي تلزم الكفارة بسبب العود ولو طلقها بعده فلا تسقط عنه الكفارة بعد العود بالطلاق بعده. ومثل الطلاق غيره من أنواع الفرقة، وذلك لاستقرارها بالامساك بعد الظهار زمنا يسع الفرقة ولم يفارق. وظاهر عبارته وجوب الكفارة بالعود فقط وهو أحد أوجه ثلاثة، ثانيها وجوبها بالظهار والعود شرط، ثالثها: وجوبها بهما معا، وهو المعتمد الموافق لترجيحهم أن كفارة اليمين وجبت باليمين والحنث جميعا، وينبني على ذلك أنه على الأخير يجوز تقديمها على العود لأنها حينئذ لها سببان فيجوز تقديمها على أحد السببين، وعلى الأولين لا يجوز تقديمها على العود لان لها سببا وشرطا على الثاني وسببا فقط على الأول ومحل جواز تقديمها عليه على الآخر إن كانت بغير الصوم، فإن كانت به فلا يجوز تقديمها عليه لأنه عبادة بدنية والعبادة البدنية لا تقدم على وقتها (قوله: وهو) أي العود. وقوله أن يمسكها زمنا يمكن فراقها فيه: أي يسكت عن طلاقها بقدر نطقه بما يقع به فراقها كطلقتك وأنت طالق ولو جاهلا أو ناسيا، وإنما سمي الامساك المذكور عود لأنه عاد لما قاله: أي خالفه ونقضه يقال: قال فلان قولا وعاد له أو فيه: أي نقضه وخالفه وذلك لان
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست