إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٤ - الصفحة ٣٥٤
(قوله: خاتمة في الايمان) أي في بيان أحكامها. وإنما ذكرها عقب الدعوى والبينات لان الايمان قد تحتاج لتقدم دعوى، والفقهاء يذكرونها قبل القضاء، لان القاضي قد يحتاج إلى اليمين من الخصوم فلا يقضي إلا بعدها. فلكل وجهة. والايمان - بفتح الهمزة - جمع يمين، وهي في اللغة اليد اليمنى. وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا حلفوا وضع أحدهم يمينه في يمين صاحبه. وقيل القوة، ومنه قوله تعالى: * (لأخذنا منه باليمين) *. أي بالقوة. وعليه فتسمية الحلف به لأنه يقوي على الحنث أو عدمه، وعلى الأول جرى م ر في النهاية، وعلى الثاني جرى ابن حجر في التحفة.
وفي الشرع تحقيق أمر محتمل باسم من أسمائه تعالى، أو صفة من صفاته، ماضيا كان أو مستقبلا، نفيا أو إثباتا، ممكنا في العادة كحلفه ليدخلن الدار، أو ممتنعا فيها كحلفه ليقتلن الميت، أو ليقتلن زيدا بعد موته. والمراد بتحقيق ذلك، التزام تحقيقه وإيجابه على نفسه، والتصميم على تحصيلة، وإثبات أنه لا بد منه وأنه لا سعة في تركه. وليس المراد به جعله محققا حاصلا، لان ذلك غير لازم. والمراد بالامر النسبة الكلامية: كما إذا قلت: زيد قائم، فعورضت فيه فقلت:
والله إنه قائم تحقيقا لذلك، والمراد بالمحتمل، المحتمل عقلا، فيدخل فيه المحال العادي. وخرج بتحقيق أمر: لغو اليمين الآتي، وبالمحتمل المراد به هنا غيره وهو الواجب فقط: كقوله والله لأموتن، فليس بيمين لامتناع الحنث فيه: أي مخالفة المحلوف عليه، فلا إخلال فيه بتعظيم اسمه تعالى والأصل فيها قبل الاجماع آيات كقوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) *. أي قصدتموها بدليل آية أخرى وهي: * (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) *. وقوله تعالى: * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) *. الآية. وأخبار منها أنه (ص) كان يحلف: لا، ومقلب القلوب. رواه البخاري، ومنها قوله عليه السلام: والله لأغزون قريشا - ثلاث مرات ثم قال في الثالثة: إن شاء الله. رواه أبو داود. وقد أمره الله بالحلف على تصديق ما أمر به في ثلاثة مواضع من القرآن: في يونس في قوله تعالى: * (قل إي وربي إنه لحق) *. وفي سبأ في قوله تعالى: * (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة، قل بلى وربي لتأتينكم) *. وفي التغابن في قوله تعالى: * (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا. قل بلى وربي لتبعثن) *.
وأركانها: حالف، ومحلوف به، ومحلوف عليه. وشرط في الأول التكليف والاختيار والنطق والقصد، فلا تنعقد يمين الصبي والمجنون والمكره ويمين اللغو. وفي الثاني أن يكون اسما من أسمائه تعالى، أو صفة من صفاته على ما سيأتي. وفي الثالث أن لا يكون واجبا بأن يكون محتملا عقلا ولو كان مستحيلا عادة كما علمت.
واعلم: أن الايمان نوعان: واقعة في خصومة، وواقعة في غيرها. فالتي تقع فيها إما أن تكون لدفع وهي يمين المنكر للحق بأن قال: لي عليك كذا، فأنكر وحلف لدفع مطالبة المدعي بالحق، وإما أن تكون للاستحقاق وهي خمسة: اللعان: فالحالف يستحق بحلفه حد زوجته لزناها إن لم تحلف هي. والقسامة: فالمستحق يحلف ويستحق الدية. واليمين مع الشاهد في الأموال: أي ما يؤول إليها. واليمين المردودة على المدعي بعد النكول. واليمين مع

(1) سورة الحاقة، الآية: 45.
(2) سورة المائدة، الآية: 89.
(3) سورة البقرة، الآية: 225.
(4) سورة آل عمران، الآية: 77.
(5) سورة يونس، الآية: 53.
(6) سورة سبأ، الآية: 3.
(7) سورة التغابن، الآية: 7.
(٣٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 ... » »»
الفهرست