إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٤ - الصفحة ١٤٩
باب في الردة أي في بيان أحكامها، أعاذنا الله وأحبتنا وجميع المسلمين منها، وإنما ذكر هذا الباب بعدما قبله لأنه جناية مثله، لكن ما تقدم من أول الجناية إلى هنا متعلق بالنفس وهذا متعلق بالدين، وأخره عما تقدم، وإن كان هذا أهم، لكثرة وقوع ذلك اه‍. ع ش، وحاصل الكلام على أنواع الردة أنها تنحصر في ثلاثة أقسام: اعتقادات وأفعال وأقوال، وكل قسم منها يتشعب شعبا كثيرة. فمن الأول: الشك في الله أو في رسالة رسوله أو في شئ من القرآن أو في اليوم الآخر أو في وجود الجنة أو النار أو في حصول الثواب للمطيع والعقاب للعاصي أو فيما هو مجمع عليه مما هو معلوم من الدين بالضرورة أو اعتقاد فقد صفة من صفاته تعالى أو تحليل ما هو حرام، ومن الثاني السجود لصنم أو لشمس أو مخلوق آخر، ومن الثالث قوله لمسلم يا كافر أو يا عديم الدين قاصدا بالأول أن دينه المتلبس به وهو الاسلام كفر، وبالثاني أن ما هو متصف به لا يسمى دينا، أو قوله لو آخذني الله بترك الصلاة مع ما أنا فيه من المرض والشدة ظلمني، أو قوله أنا أفعل بغير تقدير الله عند سماعه من يقول فعلك هذا بتقدير الله تعالى، أو قوله لو شهد عندي جميع المسلمين ما قبلتهم استهزاء بهم وسخرية، أو قوله للمفتي عند إعطائه جواب سؤال استفتاه فيه أي شئ هذا الشرع ويرمي الجواب استخفافا بالشرع، أو قوله: وقد أمر بحضور مجلس علم أي شئ أعمل بمجلس العلم، أو لعنة الله على كل عالم قاصد الإستخاف إن لم يرد الاستغراق وإلا لم يشترط الاستخفاف لشموله الأنبياء والملائكة، أو قوله يكون الابعد قوادا إن صليت أو صمت، أو ما أصبت خيرا منذ صليت، أو الصلاة لا تصلح لي قاصدا بذلك الاستخفاف أو الاستهزاء، أو قول مريض طال مرضه توفني مسلما أو كافرا إن شئت، أو قول معلم الصبيان اليهود خير من المسلمين لأنهم يقضون حق معلمي أولادهم لكن إن قصد الخيرية المطلقة ومما يخشى منه الكفر، والعياذ بالله تعالى، شتم رجل اسمه من أسماء النبي (ص) ذاكرا النبي، والكلام بكلام الدنيا عند سماع قرآن أو أذان، وقوله للقراء هؤلاء آكلوا الربا، وقوله لصالح وجهه كالخنزير، أو أنا أريد المال سواء كان من حلال أو حرام.
واعلم: أنه يجري على ألسنة العامة جملة من أنواع الكفر من غير أن يعلموا أنها كذلك فيجب على أهل العلم أن يبينوا لهم ذلك لعلهم يجتنبونه إذا علموه لئلا تحبط أعمالهم ويخلدون في أعظم العذاب، وأشد العقاب، ومعرفة ذلك أمر مهم جدا، وذلك لان من لم يعرف الشر يقع فيه وهو لا يدري، وكل شر سببه الجهل، وكل خير سببه العلم، فهو النور المبين، والجهل بئس القرين، وقد استوفى الكلام على جميع أنواع الردة وبيان المختلف فيه منها والمتفق عليه ابن حجر في كتابه المسمى بالأعلام بقواطع الاسلام، فمن أراد الإحاطة بجميع ذلك فعليه بالكتاب المذكور (قوله: الردة لغة الرجوع) أي عن مطلق شئ إلى غيره سواء كان رجوعا عن الاسلام إلى غيره وهو الكفر أو عن شئ آخر إلى غيره فالمعنى اللغوي أعم من الشرعي كما هو الغالب (قوله: وهي) أي الردة. (وقوله أفحش أنواع الكفر) أي أغلظ من غيرها من بقية أنواع الكفر وذلك لقوله تعالى: * (ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) * الآية، وقوله تعالى: * (ومن يبتغ

(1) سورة البقرة، الآية: 217.
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»
الفهرست