إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٤ - الصفحة ٣٢٢
الاحياء أن الصغيرة قد تكبر بغير الاصرار كاستصغار الذنب، والسرور به، وعدم المبالاة، والغفلة عن كونه يسبب الشقاوة والتهاون بحكم الله، والاغترار بستر الله تعالى وحلمه، وأن يكون عالما يقتدى به ونحو ذلك. اه‍. بجيرمي. (قوله: أو صغائر) أي من نوع واحد أو أنواع. (قوله: بأن لا تغلب طاعاته صغائره) الذي يظهر أن الباء بمعنى مع، وهي متعلقة بإصرار المنفي. والمعنى أن العدالة تتحقق باجتناب الاصرار المصاحب لعدم غلبة طاعاته معاصيه، بأن استويا أو غلبت المعاصي، أما الاصرار المصاحب لغلبة الطاعات فتحقق العدالة بدون اجتنابه - كما سيصرح به - ورأيت لسيد عمر البصري كتب على قول التحفة، بأن لا تغلب الخ ما نصه: كذا في النهاية، وفي هامش أصله بخط تلميذه عبد الرؤوف ما نصه: الظاهر أن لا زائدة، وفيه نظر لأن الظاهر أن مراد الشارح تفسير الاصرار المراد للمصنف، وحينئذ فيتعين إثبات لا، وأما حذف لا فإنما يتأتى لو كان المراد تفسير اجتناب الاصرار، وليس مرادا. اه‍. وهو يفيد أن الباء تصوير لمراد المصنف من الاصرار وهو بعيد، ويدل على ما ذكرته قول التحفة: قيل عطف الاصرار من عطف الخاص على العام، لما تقرر أنه ليس المراد مطلقه، بل مع غلبة الصغائر أو مساواتها للطاعات الخ. اه‍. وقوله: بل مع الخ مع محل الاستدلال.
(قوله: فمتى ارتكب الخ) تفريع على مجموع قوله باجتناب كل كبيرة، واجتناب إصرار على صغيرة الخ المفيد للاطلاق في جانب الكبيرة، والتقييد في جانب الصغيرة. (وقوله: مطلقا) أي سواء غلبت طاعاته صغائرة أم لا. (قوله: أو صغيرة) أي ومتى ارتكبت صغيرة أو صغائر. (وقوله: داوم عليها) أي أصر عليها أم لا. (وقوله: خلافا لمن فرق) أي بين المداومة: أي الاصرار وعدمها، والظاهر أن هذا الفارق يقول إن المداومة عليها تسقط الشهادة مطلقا - غلبت معاصيه أم لا - كالكبيرة، كما يدل على ذلك عبارة الروض وشرحه ونصهما: فالاصرار على الصغائر ولو على نوع منها يسقط الشهادة، بشرط ذكره في قوله: قال الجمهور: من غلبت طاعته معاصيه كان عدلا، وعكسه فاسق. اه‍. فيؤخذ من قوله بشرط الخ أن خلاف الجمهور لا يقولون به. تأمل. (قوله: فإن غلبت الخ) جواب متى المقدرة قبل قوله: أو صغيرة. قال في النهاية: ويتجه ضبط الغلبة بالعد من جانبي الطاعة والمعصية من غير نظر، لكثرة الثواب في الأولى، وعقاب في الثانية، لان ذلك أمر أخروي لا تعلق له بما نحن فيه. اه‍. وكتب ع ش: قوله من جانبي الطاعة والمعصية - أي بأن يقابل كل طاعة بكل معصية في جميع الأيام، حتى لو غلبت الطاعات على المعاصي في بعض الأيام، وغلبت المعاصي في باقيها، بحيث لو قوبلت جملة المعاصي بجملة الطاعات كانت المعاصي أكثر لم يكن عدلا. اه‍. وقوله: من غير نظر لكثرة الخ: معناه أن الحسنة تقابل بسيئة لا بعشر سيئات. وعبارة ق ل: ومعنى غلبتها مقابلة الفرد بالفرد من غير نظر إلى المضاعفة. اه‍: قال في النهاية: ومعلوم أن كل صغيرة تاب منها مرتكبها لا تدخل في العد، لإذهاب التوبة الصحيحة أثرها رأسا. اه‍. (قوله: والصغيرة الخ) هي كل ذنب ليس بكبيرة، قال في الزواجر:
(واعلم) أن جماعة من الأئمة أنكروا أن في الذنوب صغيرة، وقالوا: بل سائر المعاصي كبائر، منهم الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني والقاضي أبو بكر الباقلاني وإمام الحرمين في الارشاد، وابن القشيري في المرشد، بل حكاه ابن فورك عن الأشاعرة واختاره في تفسيره فقال: معاصي الله عندنا كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيرة ولبعضها كبيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها. ثم قال: وقال جمهور العلماء أن المعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر، ولا خلاف بين الفريقين في المعنى، وإنما الخلاف في التسمية والاطلاق، لاجماع الكل على أن من المعاصي ما يقدح في العدالة، ومنها ما لا يقدح في العدلة، وإنما الأولون فروا من هذه التسمية، فكرهوا تسمية معصية الله صغيرة نظرا إلى عظمة الله تعالى وشدة عقابه، وإجلالا له عز وجل عن تسمية معصيته صغيرة، لأنها بالنظر إلى باهر عظمته كبيرة، أي كبيرة. ولم ينظر الجمهور إلى ذلك لأنه معلوم، بل قسموها إلى صغائر وكبائر لقوله تعالى: * (وكره إليكم الكفر والفسوق
(٣٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 ... » »»
الفهرست