إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٤ - الصفحة ٣٢٣
والعصيان) *. فجعلها رتبا ثلاثة، وسمى بعض المعاصي فسوقا دون بعض، وقوله تعالى: * (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم) *. الآية، وسيأتي في الحديث الصحيح الكبائر سبع - وفي رواية تسع - وفي الحديث الصحيح أيضا ومن كذا إلى كذا كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر، فخص الكبائر ببعض الذنوب، ولو كانت الذنوب كلها كبائر لم يسغ ذلك، ولان ما عظمت مفسدته أحق باسم الكبيرة، علم أن قوله تعالى: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) *. صريح في انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر، ولذلك قال الغزالي: لا يليق إنكار الفرق بين الكبائر والصغائر. وقد عرف من مدارك الشرع. اه‍. (قوله: كنظر الأجنبية) أي لغير حاجة، أما إذا كان لحاجة كتحمل الشهادة، أو إستشفاء، فلا يحرم. (قوله: ووطئ رجعية) أي من قبل الرجعة. (قوله: وهجر المسلم فوق ثلاث) أي من الأيام بلا سبب يقتضي ذلك، وقد تقدم الكلام عليه في فصل القسم والنشوز. (قوله: ولبس رجل ثوب حرير) أي لغير حاجة. أما إذا كان لحاجة كجرب وقمل، فلا يحرم كما مر في باب الجمعة. (قوله: وكذب لا حد فيه) عبارة الروض وشرحه: وكذب لا حد فيه ولا ضرر، وقد لا يكون صغيرة، كأن كذب في شعره بمدح وإطراء. وأمكن حمله على المبالغة فإنه جائز، لان غرض الشاعر إظهار الصنعة لا التحقيق كما سيأتي ذلك. وخرج بنفي الحد والضرر ما لو وجدا أو أحدهما مع الكذب فيصير كبيرة، لكنه مع الضرر ليس كبيرة مطلقا، بل قد يكون كبيرة كالكذب على الأنبياء، وقد لا يكون، بل الموافق لتعريف الكبيرة بأنها المعصية الموجبة للحد أنه ليس كبيرة مطلقا. اه‍. (قوله: ولعن) عده ابن حجر في الزواجر من الكبائر إن كان لمسلم، ونصها: سب المسلم والاستطالة في عرضه، وتسبب الانسان في لعن أو شتم والديه وإن لم يسبهما، ولعنه مسلما من الكبائر. اه‍. واللعن معناه الطرد والبعد من رحمة الله ومحل حرمته إن كان لمعين ولو فاسقا، أو كافرا حيا أو ميتا، ولم يعلم موته على الكفر، لاحتمال أنه ختم له بالاسلام - بخلاف من علم أنه ختم له على غير الاسلام كفرعون، وأبي جهل، وأبي لهب - ويجوز إجماعا لعن غير المعين بالشخص بل بالوصف، كلعنة الله على الكاذبين أو الظالمين، وقد ورد في النهي عنه شئ كثيرة: فمن ذلك قوله عليه السلام: من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه.
قيل: وكيف يلعنهما؟ قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه. وقوله عليه السلام: إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا، فإن لم تجد مساغا، رجعت على الذي لعن، فإن كان أهلا وإلا رجعت على قائلها وقوله عليه السلام: ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذي. أي المتكلم بالفحش والكلام القبيح. ومر عليه السلام بأبي بكر رضي الله عنه وهو يلعن بعض رقيقه، فالتفت إليه وقال: لعانين؟ كلا ورب الكعبة، فأعتقه أبو بكر رضي الله عنه يومئذ، ثم جاء لرسول الله (ص) فقال: لا أعود. ولعن رجل بعيره فقال له عليه السلام: لا تتبعنا على بعير ملعون. وقال عليه السلام: لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة. وصرخ ديك قرب النبي (ص) فقال رجل: اللهم العنه، فقال عليه السلام:
مه فإنه يدعو إلى الصلاة. ولدغت برغوث رجلا فلعنها، فقال عليه السلام: لا تلعنها فإنها نبهت نبيا من الأنبياء لصلاة الصبح. وفي حديث: لا تسبوها فنعمت الدابة، فإنها أيقظتكم لذكر الله وقد قيل فيها شعر:
لا تشتموا البرغوث إن اسمه بر وغوث لك لو تدري فبره شرب دم فاسد * وغوثه الايقاظ للفجر ولعن الرجل الريح فقال عليه الصلاة والسلام: لا تعلن الريح فإنها مأمورة، من لعن شيئا ليس بأهل رجعت اللعنة

(1) سورة الحجرات، الآية: 7.
(2) سورة النجم، الآية: 32.
(3) سورة النساء، الآية: 31.
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 ... » »»
الفهرست