إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٢ - الصفحة ٣٩٤
واعلم أنه يكره تعمد ترك البسملة، فلو تركها ولو عمدا حلت ذبيحته، وذلك لان الله تعالى أباح لنا ذبائح أهل الكتاب بقوله: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * (1) وهم لا يذكرون البسملة. وقد أمر (ص) فيما شك أن ذابحه سمى أم لا: يأكله. فلو كانت التسمية شرطا لما حل عند الشك. وأما قوله تعالى: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * (2) فالمراد بما لم يذكر اسم الله عليه في الآية أنه ما ذكر عليه اسم غير الله، وهو الصنم مثلا، بدليل * (وإنه لفسق) * إذ الحالة التي يكون فيها فسقا هي الاهلال، أي الذبح لغيره تعالى، كما قال تعالى في آية أخرى: * (أو فسقا أهل لغير الله به) * فوصف الفسق بأنه ما أهل لغير الله به. وقال في تعدد المحرمات: * (حرمت عليكم الميتة) * إلى أن قال * (وما أهل لغير الله به) *.
والحاصل أن قوله تعالى: * (مما لم يذكر اسم الله عليه) * صادق بما إذا ذكر اسم غير الله عليه، وبما إذا لم يذكر شيئا أصلا. والأول هو المراد بدليل ما ذكر. وإذا علمت ذلك فما يذبح عند لقاء السلطان، أو عند قبور الصالحين، أو غير ذلك، فإن كان قصد به ذلك السلطان، أو ذلك الصالح كسيدي أحمد البدوي حرم، وصار ميتة، لأنه مما أهل لغير الله. بل إن ذبح بقصد التعظيم والعبادة لمن ذكر كان ذلك كفرا. وإن كان قصد بذلك التقرب إلى الله تعالى، ثم التصدق بلحمه عن ذلك الصالح مثلا، فإنه لا يضر. كما يقع من الزائرين فإنهم يقصدون الذبح لله، ويتصدقون به كرامة ومحبة لذلك المزور، دون تعظيمه وعبادته.
(قوله: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد) أي ويقول ندبا مع البسملة اللهم صل وسلم على محمد. لأنه محل يشرع فيه ذكر الله، فشرع فيه ذكر نبيه كالاذان، والصلاة.
(تنبيه) لا يقول باسم الله، واسم محمد فلو قال ذلك حرمت ذبيحته وكفر إن قصد التشريك فإن أطلق حلت الذبيحة وأثم بذلك. وإن قصد أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد، كره، وحلت الذبيحة فالأقسام ثلاثة: الحرمة مع حل الذبيحة في صورة الاطلاق. الكفر مع حرمة الذبيحة في صورة قصد التشريك. الكراهة مع حل الذبيحة في صورة قصد التبرك باسم محمد.
(قوله: ويشترط في الذبيح) أي في الحيوان الذي يؤول إلى كونه ذبيحا بعد ذبحه، فهو مجاز بالأول. والمراد يشترط في حل أكله بعد ذبحه. (قوله: غير المريض) سيذكر مفهومه بقوله: ولو انتهى لحركة مذبوح بمرض. (قوله:
شيئان) نائب فاعل يشترط. (قوله: أحدهما) أي الشيئين. (قوله: أن يكون فيه) أي الذبيح. (قوله: حياة مستقرة أول ذبحه) أي عند ابتداء ذبحه خاصة، ولا يشترط بقاؤها إلى تمامه، خلافا لمن قال به. فلا يضر انتهاؤه لحركة مذبوح قبل تمام القطع، إلا إن قصر في الذبح بأن تأنى فيه حتى وصل إلى ذلك قبل تمامه، فإنه يحرم لتقصيره كما مر فإن لم توجد الحياة المستقرة أول الذبح ذبح كان ميتة إلا ما استثني، وهو المريض الآتي وظاهر صنيعه أنه تشترط الحياة المستقرة في غير المريض مطلقا وجد سبب يحال عليه الهلاك أو لا.
والذي في حواشي البجيرمي على الخطيب والشرقاوي والباجوري: أن محل اشتراط وجود الحياة المستقرة في أول الذبح، عند تقدم سبب يحال عليه الهلاك كأكل نبات مضر وإلا بأن لم يتقدم سبب أصلا أو تقدم سبب لكن لا يحال عليه الهلاك كالمرض فلا يشترط ذلك. بل إذا وصل إلى آخر رمق ثم ذبح حل.
ونص عبارة البجيرمي: والحاصل أن الحيوان سواء المأكول والآدمي إذا صار في آخر رمق إن كان ذلك من سبب يحال عليه الهلاك، كان كالميت، ومعناه في المأكول أنه إذا ذبح في هذه الحالة لا يحل. وفي الآدمي: أنه يجوز

(١) المائدة: ٥.
(2) الانعام: 121.
(1) الانعام.
(٣٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 ... » »»
الفهرست