إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٢ - الصفحة ٣٥٠
الطيب في مفرق رسول الله (ص) وهو محرم. والوبيص بالباء الموحدة، بعد الواو، وبالصاد المهملة هو البريق أي اللمعان. والمفرق بفتح الميم، وكسر الراء وفتحها - هو وسط الرأس، لأنه محل فرق الشعر. قال في التحفة: وينبغي كما قاله الأذرعي أن يستثنى من جواز الاستدامة ما إذا لزمها الإحداد بعد الاحرام، فتلزمها إزالته. اه‍. (قوله: ولا انتقاله بعرق) أي ولا يضر انتقال الطيب من محل بدنه أو ثوبه إلى محل آخر بواسطة العرق. وخرج به ما لو أخذه من بدنه أو ثوبه ثم رده إليه فتلزمه الفدية. (قوله: وتلبية) بالرفع، عطف على غسل أيضا، أي ويسن تلبية. (قوله : وهي) أي التلبية، أي صيغتها. (وقوله: لبيك) أصله لبين لك، حذفت النون للإضافة، واللام للتخفيف، وهو مفعول مطلق لفعل محذوف. والتقدير ألبي لبين لك، فحذف الفعل وهو ألبي وجوبا، وأقيم المصدر مقامه، وهو مأخوذ من لب بالمكان - يقال لب بالمكان لبا، وألب به إلبابا - إذا أقام به. والمقصود به: التكثير، وإن كان اللفظ مثنى على حد قوله تعالى: * (ثم ارجع البصر كرتين) * فإن المقصود به التكثير، لا خصوص المرتين، بدليل * (ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) * (1) فإن البصر لا ينقلب خاسئا وهو حسير إلا من الكثرة، لا من مرتين فقط. (وقوله: اللهم) أصله يا الله - حذفت ياء النداء، وعوض عنها الميم، وشذ الجمع بينهما. كما قال ابن مالك:
والأكثر اللهم بالتعويض * وشذ يا اللهم في قريض (وقوله: ولبيك) تأكيد للأول. (وقوله: إن الحمد) بكسر الهمزة - على الاستئناف - وبفتحها - على تقدير لام التعليل - أي لان الحمد. والكسر أصح وأشهر عند الجمهور، لان الفتح يوهم تقييد استحقاق التلبية بالحمد، والله سبحانه وتعالى يستحقها مطلقا لذاته، وجد حمد أو لا. (وقوله: والنعمة) المشهور فيه النصب عطفا على الحمد، ويجوز فيه الرفع على الابتداء، ويكون الخبر محذوفا، والتقدير والنعمة كذلك. (وقوله: لك) خبر إن. (وقوله:
والملك) المشهور فيه النصب عطفا على ما قبله، ويجوز فيه الرفع على ما تقدم، ويسن الوقف على الملك وقفة يسيرة، لئلا يتوهم أنه منفي بالنفي الذي بعده. (وقوله: لا شريك لك) أي لأنك لا شريك لك، فهو كالتعليل لما قبله. وليحذر الملبي - في حال تلبيته - من أمور يفعلها بعض الغافلين من الضحك واللعب، وليكن مقبلا على ما هو بصدده بسكينة ووقار، وليشعر نفسه أنه يجيب الباري سبحانه وتعالى، فإن أقبل على الله بقلبه أقبل الله عليه، وإن أعرض أعرض الله عنه. (قوله:
ومعنى لبيك: أنا مقيم على طاعتك) أي وإجابتك لما دعوتنا له على لسان خليلك إبراهيم، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، لما قلت له: * (وأذن في الناس بالحج) * (1) الآية، فقال: يا أيها الناس حجوا.
وذلك لما روي أنه: لما فرغ من بناء البيت، قال الله تعالى له: أذن في الناس بالحج. قال: يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال الله تعالى له: عليك الاذان وعلينا البلاغ. فصعد إبراهيم على الصفا - وقيل على جبل أبي قبيس ، وقيل على المقام - وقال: يا أيها الناس، إن الله كتب عليكم حج هذا البيت العتيق - وفي رواية إن ربكم بنى لكم بيتا - وأوجب عليكم الحج فأجيبوا ربكم - أو فحجوا بيت ربكم - والتفت بوجهه يمينا وشمالا، وشرقا وغربا، فأسمع الله عز وجل من في الأرض، وأجابه الانس، والجن، والحجر، والمدر، والشجر، والجبال، والرمال، وكل رطب ويابس، وأسمع من في المشرق والمغرب، وأجابوا من بطون الأمهات، ومن أصلاب الرجال، كل يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. فإنما يحج اليوم من أجاب يومئذ، فمن لبى مرة حج مرة، ومن لبى مرتين حج مرتين، ومن لبى ثلاثا حج ثلاثا، ومن لبى أكثر حج بقدر ذلك.
(قوله: ويسن الاكثار منها) أي التلبية. (وقوله: والصلاة على النبي (ص)) بالرفع، عطف على الاكثار، أي ويسن

(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»
الفهرست