إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٢ - الصفحة ١٦١
لا مجال للرأي فيه: أي لا دخل للعقل فيما هو توقيف. (قوله: والظاهر أنه يبدل العبد بالأمة) بأن يقول: يا أمة الله.
(قوله: ويؤنث الضمائر) أي في أذكر، بأن يقول: اذكري. وفي خرجت، بأن يكسر تاء المخاطب. وفي رضيت كذلك.
(قوله: انتهى) أي قول شيخه في فتح الجواد لكن بتصرف. وعبارته: وسن تلقين مكلف بعد تمام الدفن المأثور، وهو مشهور، ونداؤه بالام فيه إن عرفت، وإلا فبحواء - كما دل الحديث الذي استدلوا به لأصل سنة التلقين ردا على من زعم أنه بدعة، ثم النداء بالام لا ينافي دعاء الناس يوم القيامة بآبائهم، لان كليهما توقيف لا مجال للرأي فيه. وحكمته أن هذه دار ستر، وتلك دار هتك، لظهور آثار الأعمال على عاملها إلا على من وقي الله. اه‍. بحذف. (قوله: ويندب زيارة قبور، لرجل) أي لخبر: كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة. وروي عنه (ص) أنه قال: ما من أحد يمر بقبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه.
ويتأكد ندب الزيارة في حق الأقارب، خصوصا الأبوين، ولو كانوا ببلد آخر غير البلد الذي هو فيه، فقد روى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه: من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة مرة غفر الله له، وكان بارا بوالديه. وفي رواية: من زار قبر والديه كل جمعة أو أحدهما، فقرأ عنده يس والقرآن الحكيم، غفر له بعدد ذلك آية أو حرفا. وفي رواية: من زار قبر والديه أو أحدهما كان كحجة. وروي إن الرجل لا يموت والداه وهو عاق لهما فيدعو الله لهما من بعدهما فيكتبه الله من البارين. فأفادت هذه الأخبار أن من زار قبر أبويه كان بارا لهما غير عاق ولا مضيع حقهما. وكان ابن واسع يزور القبور يوم الجمعة ويقول: بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما بعده.
وورد أيضا: إن أرواح المؤمنين تأتي في كل ليلة إلى سماء الدنيا وتقف بحذاء بيوتها، وينادي كل واحد منها بصوت حزين ألف مرة. يا أهلي، وأقاربي، وولدي. يا من سكنوا بيوتنا، ولبسوا ثيابنا، واقتسموا أموالنا. هل منكم من أحد يذكرنا ويتفكرنا في غربتنا ونحن في سجن طويل وحصن شديد؟ فارحمونا يرحمكم الله، ولا تبخلوا علينا قبل أن تصيروا مثلنا. يا عباد الله: إن الفضل الذي في أيديكم كان في أيدينا، وكنا لا ننفق منه في سبيل الله، وحسابه ووباله علينا، والمنفعة لغيرنا. فإن لم تنصرف - أي الأرواح - بشئ، فتنصرف بالحسرة والحرمان. وورد أيضا عن النبي (ص) أنه قال: ما الميت في قبره إلا كالغريق المغوث. ينتظر دعوة تلحقه من ابنه أو أخيه أو صديق له، فإذا لحقته كانت أحب إليه من الدنيا وما فيها.
ويسن أن يكون الزائر على طهارة، وفي سم ما نصه: قال في شرح العباب: ولا يسن السفر لقصد زيارة غير نبي أو عالم أو صالح، خروجا من خلاف من منعه كالجويني فإنه قال إن ذلك لا يجوز. اه‍. ولم يبينوا أن الزائر يزور قائما أو قاعدا؟ ويحتمل أن يقال يفعل ما يليق لو كان الميت حيا، وقد يستدل للقيام مطلقا أو للأكابر بالقيام في زيارة النبي (ص).
اه‍.
(قوله: لا لأنثى) تصريح بالمفهوم، ومثلها الخنثى. (قوله: فتكره) أي الزيارة، لأنها مظنة لطلب بكائهن، ورفع أصواتهن، لما فيهن من رقة القلب، وكثرة الجزع، وقلة احتمال المصائب.
وإنما لم تحرم لأنه (ص) مر بامرأة تبكي على قبر صبي لها، فقال لها: اتقي الله واصبري متفق عليه. فلو كانت الزيارة حراما لنهي عنها. ولخبر عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: كيف أقول يا رسول الله؟ - تعني إذا زرت القبور -.
قال: قولي: السلام على أهل الدار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. ومحل ذلك حيث لم يترتب على خروجها فتنة، وإلا فلا شك في التحريم. ويحمل على ذلك الخبر الصحيح. لعن الله زوارات القبور.
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»
الفهرست