واقع التقية عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية - ثامر هاشم حبيب العميدي - الصفحة ٤٤
فالوعيد الموجه إلى النبي (ص) في هذه الآية لا شك فيه، وهو لا يدل على تهاون النبي (ص) في أمر الدين، أو توانيه فيما انزل إليه، وعدم اكتراثه بشأن الوحي، وكيف يمكن تصور صدور مثل هذا القول عمن قال بعصمة جميع الأنبياء (ع)، ونزاهتهم عن كل نقص؟!
بل المراد من ذلك في نظر علماء الشيعة الإمامية ومن وافقهم من علماء أهل السنة هو أن النبي (ص) قد تريث بعض الشئ لجسامة التبليغ الذي عده الله عز وجل موازيا لثقل الرسالة كلها، ريثما يتم تدبير الأمر من تهيئة مستلزماته، كجمع حشود الحجاج الذين كانوا معه (ص)، وتمهيد السبيل أمام هذه الحشود لكي تقبل نفوس بعضهم مثل هذا التبليغ، لا سيما الأعراب الذين أسلموا أخيرا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم.
ولا يمنع أن يكون النبي (ص) قد خشي من بعضهم لأجل ما انزل عليه، ويدل عليه قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس)، على أن هذه الخشية لم تكن على نفسه الطاهرة، فهو لا يخشى في الله لومة لائم، وإنما كانت على التبليغ نفسه إذ تفرس (ص) مخالفته فأخر التبليغ إلى حين، ليجد له ظرفا صالحا وجوا آمنا عسى أن تنجح فيه دعوته، ولا يخيب مسعاه، فأمره الله تعالى بتبليغ عاجل، وبين له أهمية هذا التبليغ، ووعده أن يعصمه من الناس، ولا يهديهم في كيدهم، ولا يدعهم يقلبوا له أمر الدعوة (1).
وهكذا تم التبليغ بخطبة وداع وعلى أحسن ما يرام بعيدا عن كل أجواء التقية، إلا أنه مع الأسف قد اضطر بعض من سمع التبليغ إلى التقية في عدم

(١) الميزان في تفسير القرآن / السيد محمد حسين الطباطبائي 6: 46.
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»