وأن ترافقه التقية بشكل أو بآخر، وإلا لأصبحا (الطاعة والانقياد) تكريسا لنظرية وجوب طاعة الحاكم الظالم، تلك النظرية التي أنشأها شيخ الأمويين لأسباب لا تخفى على كل باحث ذي عقل حر وتفكير سليم.
وما يهمنا هنا هو كشف حقيقة التقية المليونية - إن صح التعبير - في هذا المثال الذي لم يكن هو الوحيد الكاشف عنها إذا علمنا أن لغة السيف هي أعرق في قاموس الأمويين من بروز الحجاج بن يوسف الثقفي على مسرح الأحداث السياسية في تاريخهم الدموي. حيث ولاه عبد الملك بن مروان (ت / 86 ه) - بعد أن أخمد ثورة ابن الزبير وقتله سنة (74 ه) - مكة، والمدينة، والطائف ثم أضاف إليها العراق بمصريه (الكوفة والبصرة)، لا لفقه الحجاج وورعه وتقواه وسابقته، وإنما لكونه سفاكا سفاحا من الطراز الأول الذي لا يرعى لله إلا ولا ذمة (1).
ولقد كان الحجاج يصرح بقسوته المتناهية على أهالي هذه الأمصار الإسلامية، كما يظهر في الكثير من خطبه على منابر المسلمين وقد نقل بعضها ابن قتيبة الدينوري (ت / 276 ه) في عيون الأخبار، وسنذكر منها ما يقرب صورة التقية (المليونية) إلى الأبصار.
الخطبة الأولى: قال ابن قتيبة: دخل الحجاج بن يوسف الثقفي إلى البصرة، وهو متقلد سيفا، ومتنكب قوسا عربية، فعلا المنبر ثم قال:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * متى أضع العمامة تعرفوني