حقوق أهل الذمة في الفقه الإسلامي - تامر باجن أوغلو - الصفحة ٥٣
وقضت على الحضارة السابقة لها في بعض البلدان؟ وجدت نفسها في بلدان أخرى مضطرة إلى الإقرار بكل التقاليد والأعراف المحلية وادماجها في كيانها.
لقد امتاز المذهب الحنفي بشبه التجاهل بالنصوص التي لا تتحاشى؟ والظروف السياسية والاجتماعية. ذلك لأن مؤسسة تاجر ومتكلم بنفس الوقت وليس فقيها بالدرجة الأولى. إن المواضيع التي تناولها أبو حنيفة في مؤلفاته تتعلق عادة بقضايا الكلام الإسلامي من صفات الله إلى السؤال عما إذا كانت تجوز تلاوة الفاتحة في الصلاة المفروضة بلغة غير العربية مما عجز المتكلمون عن حلها. بفضل سمعته الحسنة كعالم صالح؟ تلقى أبو حنيفة من حين إلى آخر مسائل فقهية عويصة وقدم حلولا مرنة لها؟ مما أكسبه شهرة عظيمة.
انتشر المذهب الحنفي بين الشعوب الأجنبية أسرع من المذاهب الأخرى بفضل طبيعته المستعدة للتسوية والتصالح. لقد أعجب الأتراك وقسم من الصينيين بهذا المذهب؟ لأن هذه الشعوب لم يكن لها عهد بإله إلا كالذي يتواجد في السماء كخالق الكون دون أن يتدخل في ما يحدث في الأرض. إن قادتهم كانوا في الحقيقة آلهتهم. فبذلك صارت الحنفية عند السلاجقة أولا وآل عثمان أخيرا المذهب الرسمي للدولة؟ وصرحت ابتداء من القرن 19 أن أعلى هدف تصبو إليه الشريعة ليس تأسيس النظام الإلهي؟ بل تأكيد وتقوية سلطنة السلاطين كظل الله في الأرض. فكان على العلماء الاحتجاج بالقرآن والسنة تبريرا لمنع السلطان من تطبيق حد السرقة وتسويغ قتل الإخوة من القرآن نفسه. إذ ورد في كتاب الله إن الفتنة أشد من القتل (البقرة 192). بالإضافة
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»