شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠١٦
في الآخرة، لأن كلامه صدق مقطوع به.
(وإن كان قول الروح.) أي، قول عيسى، عليه السلام. ((والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا). أكمل في الاتحاد، فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد، وأرفع للتأويلات.) اعلم، أن في هذا الكلام تقديما وتأخيرا.
تقديره: فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وأرفع للتأويلات، وإن كان قول الروح أكمل في الاتحاد. وإنما كان هذا أكمل في الاتحاد، لأن قول الحق سبحانه: (و سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا). عبارة عن تجليه له بما يوجب السلامة من أحكام الكثرة ونقائض الإمكان، وارتفاع اللازم موجب ارتفاع الملزوم. وإذا ارتفعت الكثرة والإمكان، ظهرت الوحدة والوجوب الذاتي، فحصل الاتحاد من قول الحق. وهو أكمل مما لزم من قول العبد من الاتحاد هذا بالنسبة إلى أرباب الكشف والعرفان. وأما بالنسبة إلى أهل الحجاب، وهو أكمل بالاعتقاد، لأن سلام الحق أقبل على النفوس من سلام العبد على نفسه. وأيضا أرفع للتأويلات. بخلاف قول عيسى، عليه السلام: فإنه يحتاج إلى أن يأول بأن لسانه لسان الحق بحكم الحديث المشهور، فبالحق نطق وسلم على نفسه، أو الحق سلم على نفسه في حجابية عيسى وتعينه (فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى، إنما هو النطق، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه. ولا يلزم للمتمكن من النطق، على أي حالة كان.) أي، المتمكن. (الصدق فيما به ينطق.) لإمكان أن يتكلم بكلام لا يكون مطابقا لما في نفس الأمر.
(بخلاف المشهود له، كيحيى.) حيث قال فيه الحق: (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا).
(فسلام الحق على يحيى من هذا الوجه أرفع للإلتباس الواقع في العناية الإلهية به من سلام عيسى على نفسه، وإن كانت قرائن الأحوال تدل على قربه من الله في ذلك و صدقه، إذ نطق في معرض الدلالة على براءة أمه في المهد. فهو أحد الشاهدين.) أي، على براءة أمه وقربه من الله وكونه نبيا (4)

(4) - واعلم، أنه يظهر من قوله تعالى في حق عيسى ويحيى، عليهما السلام، أنهما كانا نبيين بعد الولادة قبل الأربعين. قال، عز من قائل، في حق عيسى عليه السلام: (قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا). وقال في حق يحيى، عليه السلام: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة و آتيناه الحكم صبيا. وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا. وكذلك خاتم الأنبياء (ص)، لأنه كان نبيا وآدم بين الماء والطين. وفي رواية: (ولا آدم ولا ماء ولا طين). ولا شك أن روحه الكلى لا يقيده شئ، وهو ظهر في جميع أطوار الوجود عروجا تحليليا وتركيبيا، وله الرياسة التامة المطلقة، ومنه يصل الفيض إلى العالم أزلا وأبدا، فهو أزلي وأبدى، وله السيادة التامة الممتازة على الأعيان في العلم، وله الرياسة المطلقة في العين، فإنه كان نبيا بالنبوة التعريفية. ودخل في هذا الحكم خاتم الأولياء لقربه التام بخاتم الأنبياء، ويمر على أطوار جميع الأنبياء والأولياء، وعبر عنه الشيخ الأكبر في الفتوحات ب‍ (أقرب الناس إلى رسول الله وسر الأنبياء) وإمام العالم على بن أبي طالب. ويدخل في هذا الحكم ختم الأولياء زمانا، و هو خاتم الولاية المحمدية. قال الشيخ في الباب الثالث والسبعون (ط مصر، ج 2، ص 9، وط عثمان يحيى، ج 11، ص 289): (ختم الولاية المحمدية وختم الولاية العامة أي، المهدى و عيسى، عليهما السلام. وأما ختم الولاية المحمدية، وهو واحد لا في كل زمان، بل هو واحد في العالم. ويختم الله به الولاية المحمدية. فلا يكون في الأولياء المحمديين أكبر منه). و المراد مما ذكرناه تفصيلا أن الولاية الكلية المحمدية، أو الولاية الولي الفرد من عترته، غير كسبية. أي، كما أن النبوة (أمر موهوبية لا كسبية) والولاية الكلية العلوية والمهدوية والباقرية والجعفرية - وبالجملة كل من أراد النبي، صلى الله عليه وآله، من الحديث المشهور: (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي). - يعد من الخواتم، إلا أن الختم الموجود في كل زمان الذي صرح النبي، عليه السلام، بأنه خليفة الله، هو المهدى الذي اسمه اسم النبي وكنيته كنيته، وله مقام المحمود، أي، مقام (أو أدنى)، أشبه الناس إلى رسول الله خلقا وخلقا ومنطقا. هو الذي فلا يكون في الأولياء المحمديين أكبر منه. ومن لم يكن في المحمديين أكبر منه هو الذي دخل في حكم ختميته عيسى، عليه السلام، وهو مختوم بهذا الختم المحمدي الذي صرح الشيخ عليه، ونقلنا كلامه بطوله. (ج)
(١٠١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1009 1011 1012 1014 1015 1016 1017 1018 1019 1021 1022 ... » »»