إلى بعض). أي، ما أوجد الحق الظلال المحسوسة ساجدة على الأرض متفيئة - أي راجعة عن الشمال واليمين - إلا دلائل لك، لتستدل بها على حقيقتك وعينك الثابتة، لأن عينك الخارجية ظل لها، وحقيقتك ظل الله، فيستدل بها عليه، فتعرف إنك ظل الظل الحق. ويتيقن أن نسبتك إليه بالظلية، والظل مفتقر إلى شخصه، فتعلم منه افتقارك إلى الله. ونسبته إليك نسبة الشخص إلى الظل، والشخص مستغن عن ظله، فتعلم منه غناه الذاتي. فإذا علمت هذا، علمت أن العالم من أي جهة اتصف بالافتقار إلى الحق، ومن أي جهة هو عين الحق. ولما كان العالم مفتقرا إلى الله في وجوده وذاته وكمالاته مطلقا - وصفه بالفقر الكلى والافتقار بعض العالم إلى البعض كافتقار المسببات إلى الوسائط والأسباب وافتقار الكل إلى الأجزاء افتقار المفتقر إليه من وجه إلى المفتقر - قال: (وبالفقر النسبي بافتقار بعضه إلى بعض). (حتى تعلم من أين ومن أي حقيقة اتصف الحق بالغنى عن الناس والغنى عن العالمين). الحقيقة التي اتصف منها الحق بالغنى عن الناس، ليست غير ذاته تعالى، فهو غنى بذاته عن العالمين. والحقيقة التي اتصف منها العالم يغنى بعضه عن بعض، هو كون كل من أهل العالم عبدا لله محتاجا إليه في ذاته وكمالاته، والعبد لا يملك شيئا، فلا يحتاج إلى غيره، بل كلهم يحتاجون إلى الحق. فاستغنى بعضهم عن بعض من هذه الحيثية، مع أن كلا منهم مفتقر إلى الآخر. فإن العالم مفتقر إلى الأسباب بلا شك افتقارا ذاتيا، وإليه أشار بقوله:
(واتصف العالم بالغنى، أي، بغنى بعضه عن بعض من وجه ما هو عين ما افتقر إلى بعضه به). (ما) في الموضعين بمعنى (الذي). و (به) عائد إلى (الوجه). أي، اتصف بعض العالم بالغنى عن بعضه من الوجه الذي افتقر ذلك البعض إلى بعض آخر بسبب ذلك الوجه. والمقصود أن وجه الغنى هو بعينه وجه الافتقار. وذلك لأن الوجه الذي افتقر به بعض العالم إلى بعض، هو وجه عبودية ذلك البعض المفتقر إلى ربوبية الآخر. والوجه الذي غناه به عن بعض آخر، هو أيضا عبودية، لأن وجه العبودية ظل، والظل لا يحتاج إلى الظل. غاية ما في الباب، أن متعلق الغنى هو عبودية من هو مستغن عنه وظليته، ومتعلق الافتقار ربوبيته. فاتحاد