شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٠١
(كذلك المتحقق منا بالحق، تظهر لصفائه صورة الحق فيه أكثر مما يظهر في غيره). أي، كما أن الزجاج لأجل صفائه يمتد عنه ظل نوري منور لما في البيت، كذلك (المتحقق) بالحق، أي بالوجود الحقاني وكمالاته والمتخلق بالأخلاق الإلهية، (منا)، أي من أهل العالم كله أو من الأفراد الإنسانية، تظهر صورة الحق، وهي الكمالات الإلهية والصفات الربانية، فيه أكثر مما تظهر في غيره الذي لم يتخلق بها ولم يتحقق بالحق، فينور غيره ويظهر ما فيه من الكمالات. وذلك التحقق بحسب صفاء استعداده وقابلية عينه لا غير.
(فمنا من يكون الحق سمعه وبصره وجميع قواه وجوارحه بعلامات) أي، بدلائل. (قد أعطاها الشرع الذي يخبر عن الحق). إشارة إلى الحديث القدسي:
(لا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه. فإذا أحببته، كنت سمعه وبصره) - إلى آخره.
(ومع هذا عين الظل موجود، فإن الضمير). أي، ضمير (سمعه) و (بصره). (يعود عليه). أي، على العبد. (وغيره من العبيد ليس كذلك. فنسبة هذا العبد أقرب إلى وجود الحق من نسبة غيره من العبيد). قد مر أن للوجود بالنسبة إلى الأعيان اعتبارات ثلاث:
الأول، أن الموجود الخارجي وجود متشكل بأشكال الحقائق الغيبية بحكم ظهوره في مرآيا الأعيان وهي (ما شمت رايحة الوجود) بعد. فالحق بهذا الاعتبار عين سمع كل واحد و عين قواه وجوارحه. ولا يختص هذا المعنى بالكمل.
والامتياز بينهم وبين غيرهم من العوام، في ذلك، يكون بالعلم والقدرة، وظهور أنوار تلك القوى فيهم أكثر من غيرهم، فيكونوا أقرب إلى مقام الجمع الإلهي من غيرهم.
والثاني، أن الأعيان هي الموجودة في الخارج بحكم ظهورها في مرآة الوجود، فالموجود خلق. وحينئذ كل من يترقى عن مرتبة الخلقية بفناء صفاته في صفات الحق وتتبدل بشريته بالحقية، يبقى الحق عوضا عما فنى منه، فيكون سمعه وبصره وجوارحه، وعين العبد باقية. فيختص هذا المعنى بهؤلاء الكمل.
(٧٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 696 697 698 699 700 701 702 703 704 705 706 ... » »»