شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٩٥
فإن المعاني التي هي حاصلة في روحك المجردة، ثابتة فيها ولا يشعر بها مفصلة ولا يتميز بعضها عن بعض، حتى تحصل في القلب، فيتفصل ويكتسي كل منها صورة قريبة من الصور الخيالية، فتشعر بها حينئذ، ويتميز بعضها عن بعض.
فإذا حصلت في الخيال واكتست الصور الخيالية، صارت مشاهدة، كما نشاهد المحسوس. ثم، إذا أخرجتها في الخارج، حصل له الظهور التام، فأدركها غيرك وشاهدها. فللأعيان مراتب في الغيب العلمي، كما لها مراتب في الخارج. فإذا علمت ما أشير إليه، علمت الفرق بين الثبوت العلمي والوجود الخارجي.
(غير أن الأجسام النيرة يعطى فيها البعد للحس صغرا. فهذا تأثير آخر للبعد.
فلا يدركها الحس إلا صغيرة الحجم، وهي في أعيانها كبيرة عن ذلك القدر وأكثر كميات. كما علم بالدليل أن الشمس مثل الأرض في الجرم مائة وستين وربعا وثمن مرة، وهي في الحس على قدر جرم الترس، مثلا، فهذا أثر البعد أيضا). أي، للبعد تأثيرات في رؤية الأجسام النيرة التي هي الكواكب يعطى البعد صغرا، وفي غير النيرة يعطى سوادا وزرقة. والباقي ظاهر.
(فما يعلم من العالم إلا قدر ما يعلم من الظلال، ويجهل من الحق على قدر ما يجهل من الشخص الذي عنه كان ذلك الظل). قد مر في المقدمات أن الأعيان هي الذات الإلهية المتعينة بتعينات متكثرة، فهي من حيث الذات عين الحق، و من حيث التعيينات هي الظلال. فقوله: (فما يعلم)... معناه: فما يعلم من أعيان العالم التي هي ظلال أسماء الحق وصورها - ومن هذه الموجودات الخارجية مع آثارها وهيآتها اللازمة لها التي ظلال تلك الظلال - إلا مقدار ما يعلم من ذلك الظلال من الآثار والأحوال والصور والأشكال والخصوصيات الظاهرة منها، ويجعل من الحق على قدر ما يجهل من ذوات الأعيان وحقائقها التي هي عين الحق.
ولما كان الظل الحسى دليلا وعلامة للظل المعنوي، قال: (على قدر ما يجهل من الشخص الذي عنه كان ذلك الظل). أي، حصل، لأن الناظر يستدل من الظل على صاحب الظل، فيعلم أن ثمة شخص، هذا ظله، ولا يعلم كيفيته
(٦٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 690 691 692 693 694 695 696 697 698 699 700 ... » »»