شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧١١
وأهل الوجود، حي، فمعناه: ما من حي إلا والحق آخذ بناصيته ومتصرف فيه بحسب أسمائه، يسلك به أي طريق شاء من طرقه، وهو على صراط مستقيم. و أشار بقوله: (هو آخذ) إلى هوية الحق الذي مع كل من الأسماء ومظاهرها.
وإنما قال: (ان ربى على صراط مستقيم) بإضافة الاسم (الرب) إلى نفسه، و تنكير (الصراط)، تنبيها على أن كل رب فإنه على صراطه المستقيم الذي عين له من الحضرة الإلهية. والصراط المستقيم الجامع للطرق هو المخصوص بالاسم الإلهي ومظهره. لذلك قال في الفاتحة - المختصة بنبينا صلى الله عليه وآله: - (إهدنا الصراط المستقيم) بلام العهد، أو المهيته التي منها يتفرع جزئياتها.
فلا يقال: إذا كان كل أحد على الصراط المستقيم، فما فائدة الدعوة؟
لأنا نقول: الدعوة من الهادي إلى المضل، وإلى العدل من الجائر، كما قال تعالى: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا).
(فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم، فهو (غير مغضوب عليهم) - من هذا الوجه - ولا (ضالين)). لأنه مظهر لاسم يربه في ذلك الطريق، فهو مقتضاه، والشئ لا يغضب على من يعمل بمقتضى طبيعة ذلك الشئ، فهو غير داخل في حكم (المغضوب عليهم) ولا في (الضالين). وإن كان بالنسبة إلى رب يخالفه في الحكم، داخلا في حكمهم، كعبيد (المضل) بالنسبة إلى عبيد (الهادي).
فلما كان الضلال إنما يتحقق بالنظر إلى رب آخر لا بذاته، قال: (فكما كان الضلال عارضا، كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شئ، وهي السابقة). وأيضا الأرواح كلها بحسب الفطرة الأصلية قابلة بالتوحيد الأصلي طالبة للهدى، كما قال: (أ لست بربكم قالوا بلى). وليس هذا القول مختصا بالبعض دون البعض بدليل (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه). فما عرض الضلال عليها إلا بالاستعداد التعيني العلمي المختفي بنور الاستعداد الذاتي الحقاني الظاهر في عالم الأنوار لقوة نوريته. فلما غشيته الغواشي الطبيعية وحجبته الحجب الظلمانية المناسبة للاستعداد الناتجة
(٧١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 706 707 708 709 710 711 712 713 714 715 716 ... » »»