جهتي الغنى والافتقار من طرف الغنى والمفتقر، لا من طرف الآخر.
ويجوز أن يكون: (من وجه ما) بتنوين التنكير. أي، من وجه من الوجوه، وذلك الوجه بعينه وجه الافتقار، والمعنى على حاله.
ويجوز أن يكون (ما) في (ما هو) بمعنى (ليس). أي، ليس وجه الغنى عين الوجه الذي به يحصل الافتقار. والأظهر أن المراد هو الأول، لأن تغاير الجهتين أمر بين لا يحتاج إلى الذكر. وقد مر مثله، في الفص الثاني، من قوله:
(وهو عالم من حيث ما هو جاهل).
(فإن العالم مفتقر إلى الأسباب بلا شك افتقارا ذاتيا، وأعظم الأسباب له سببية الحق). لأن ما سواه ممكن مفتقر إليه، وهو واجب بذاته. (ولا سببية للحق يفتقر العالم إليها سوى الأسماء الإلهية). أي، لا سببية فيفتقر العالم إليها للحق سوى الأسماء الإلهية، لأنه تعالى بذاته غنى عن العالمين، ولا يطلب العالم إلا الأسماء، فلها السببية.
(والأسماء الإلهية، كل اسم يفتقر العالم إليه من عالم، مثله أو عين الحق).
أي، الأسماء عبارة عن كل ما يفتقر العالم إليه في وجوده وكمالاته وذاته، سواء كان ذلك الاسم المفتقر إليه من جنس عالم مثله، كالوالد بالنسبة إلى الولد، فإنه سبب وجوده وتحققه في الخارج - مع أنه من العالم. أو لا يكون من جنس العالم، بل ناش من عين الحق وتجل من تجلياته، كالأرباب للأعيان.
ويجوز أن يكون (من عالم) بيان قوله: (كل اسم). أي، الاسم الإلهي.
كل عين يفتقر العالم إليها، سواء كانت عينا من الأعيان الموجودة أو الثابتة العلمية، أو عين الحق، كافتقار الولد إلى عين الأبوين في كونهما سببا لوجوده. وكافتقارنا في وجودنا إلى أعياننا العلمية، لأنه ما لم يوجد في العلم، لم يوجد في العين. وكافتقارنا إلى الأسماء التي الأعيان الثابتة مظاهرها، وهي الذات الإلهية باعتبار كل من الصفات. فالإسم يطلق على الأعيان الموجودة والأعيان الثابتة التي هي مسمى العالم، لكن من وجوه ربوبيتها، لا من وجوه عبوديتها، كما يطلق على أربابها، وهي الذات مع كل واحد من صفاتها.