شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٣٢
وقد يتأثر من القوى الوهمية المدركة الجزئية فقط، فتظهر فيه صورة تناسبها.
والثاني، قد يكون بسبب سوء مزاج الدماغ، وقد يكون بحسب توجه النفس بالقوة الوهمية إلى إيجاد صورة من الصور، كمن يتخيل صورة محبوبه الغائب عنه، تخيلا قويا، فيظهر صورته في خياله، فيشاهده. وهذا أمر عام يقدر على ذلك العارف بالحقائق وغيره من العوام - ذكر الشيخ (رض) هنا هذا المعنى، ونبه أن العارف يخلق بهمته، أي بتوجهه وقصده بقوته الروحانية، صورا خارجة عن الخيال موجودة في الأعيان الخارجية، كما هو مشهور من البدلاء بأنهم يحضرون به في آن واحد أماكن مختلفة، ويقضون حوائج عباد الله. فالمراد ب‍ (العارف) هنا، الكامل المتصرف في الوجود، لا الذي يعرف الحقائق وصورها ولا تصرف له.
وإنما قال: (ما يكون له وجود من خارج محل الهمة) أي، خارج الخيال الذي لنفسه، احترازا عن أصحاب السيمياء والشعبذة، فإنهم يظهرون صورا خارجة من خيالاتهم، لكن ليست خارجة من مقام الخيال، لظهورها في خيالات الحاضرين بتصرفهم فيها. والعارف المتمكن في التصرف بهمته يخلق ما يخلق في عالم الشهادة قائما بنفسه كباقي الموجودات العينية. والغيب أيضا كالصور الروحانية التي يخلقها، فيدخل بها في عالم الأرواح. ولا ينبغي أن تتأبى وتشمأز نفسك من إسناده الخلق إلى المخلوق، فإن الحق سبحانه هو الذي يخلقها في ذلك المظهر لا غيره، إلا أن الخلق يظهر حينئذ من مقامه التفصيلي كما يظهر من مقامه الجمعي. ومن هنا يعلم سر قوله: (فتبارك الله أحسن الخالقين).
(ولكن لا تزال الهمة تحفظه) أي ذلك المخلوق. (ولا يؤدها) أي، لا يغفل الهمة حفظه. أي حفظ ما خلقته.
(فمتى طرأ على العارف غفلة عن حفظ ما خلق عدم ذلك المخلوق). لانعدام المعلول بانعدام علته. (إلا أن يكون العارف قد ضبط جميع الحضرات، وهو لا يغفل مطلقا، بل لا بد له من حضرة يشهدها. فإذا خلق العارف بهمته ما خلق، وله به الإحاطة، ظهر ذلك الخلق بصورته) أي، ظهر ذلك المخلوق على صورته (في
(٦٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 627 628 629 630 631 632 633 634 635 636 637 ... » »»