لفنائها في الحق وتلاشيها في الوجود المطلق عند نظر قلب هذا العارف. ولا يتوهم أن عدم الإحساس إنما هو لفناء القلب، فإن التجلي بالوحدة والقهر يوجب ذلك، لا بالواسع العليم. وأيضا هذه السعة إنما تحصل للقلب بعد أن فنى في الحق وبقى به مرة أخرى، فلا يطرأ عليه الفناء حينئذ.
قوله: (فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق، ومع ذلك ما اتصف بالري، فلو امتلأ ارتوى) دليل على ما قال: (وإنما لا يرتوي). لأن الحق لا يتجلى دفعة بجميع أسمائه وصفاته للقلب الكامل، بل يتجلى له في كل آن باسم من الأسماء وصفة من الصفات، وكل من ذلك يعد القلب إلى تجل آخر، فيطلبه القلب باستعداده. وذلك من الحق فلا يرتوي أبدا.
وقوله: (وقد قال ذلك أبو يزيد) إشارة إلى ما كتب يحيى بن معاذ الرازي إلى أبى يزيد: (إني سكرت من كثرة ما شربت من محبته). فأجاب أبو يزيد:
عجبت لمن يقول ذكرت ربى وهل أنسى، فاذكر ما نسيت شربت الحب كأسا بعد كأس فما نفد الشراب وما رويت أو إشارة إلى ما مر من قوله: (لو أن العرش وما حواه)... فإنه أيضا يتضمن عدم الارتواء.
(ولقد نبهنا على هذا المقام بقولنا:
يا خالق الأشياء في نفسه) أي، في علمه الذي هو عين ذاته في مقام أحديته، ثم في ظاهرية وجوده المسماة بالوجود العيني.
(أنت لما تخلقه جامع) لأن كله في علمك وفي عينك كالأمواج على البحر الزخار.
(تخلق مالا ينتهى كونه) أي، وجوده. (فيك) أي، في علمك وعينك.
(فأنت الضيق) لأنه لا يبقى لأحد وجود عند ظهور وجودك. ف (الضيق)