لما ذكر أن الحق متجل بصور مقبولة شرعا وعقلا وبصور غير مقبولة فيهما أو في أحدهما، عقبه ب (الفاء) التعقيبية، وذكر أن للرحمن صورا بحسب مراتبه و مقاماته، ولها بحسب الظهور والخفاء مراتب: منها ما هو ظاهر في الحسن، ومنها ما هو غير ظاهر فيه، ولكن ظاهر في العالم المثالي بالنسبة إلى من كشفت الأغطية من عينه، ومنها ما هو غير ظاهر فيهما وظاهر عند العقل، كالعلوم والمعارف الإلهية التي يدرك اللبيب الفطن إياها من وراء الستر، لأن لها أيضا صورا عقلية، ومنها ما هو خفى عن العقل وظاهر عند القلب لوجدانه إياه من غير صورة مثالية مطابقة للصور الخارجية، بل بصورة نورية.
(فإن قلت هذا الحق قد تك صادقا * وإن قلت أمرا آخر أنت عابر) أي، إن اعتبرت وحدة الظاهر والمظهر، أو الظاهر فقط، وحكمت بأنه الحق، تكون صادقا، لأنه هو الذي ظهر بذلك المظهر. وإن لم تعتبر وحدة الظاهر مع المظهر، بل تعتبر الامتياز بينهما وحكمت بأن المرئي غير الحق، تكون أيضا صادقا. وتكون (عابرا) أي، مجاوزا عن الصورة المرئية إلى المعنى الظاهر فيها.
(وما حكمه في موطن دون موطن * ولكنه بالحق للحق سافر) أي، ليس حكم الحق منحصرا في موطن ومقام لئلا يكون في موطن آخر، بل حكمه سار في جميع المواطن بحسب سريان ذاته فيها. غاية ما في الباب أن أحكامه يختلف باختلاف المواطن.
وضمير (لكنه) يرجع إلى (الحكم). أي، لكن حكمه بسبب ظهور الحق في الخلق. (سافر) أي، ظاهر فيه. يقال: سفرت المرأة وجهها. إذا كشفت وجهها. فتكون (اللام) بمعنى (في). وإلا تكون للتعدية. تقديره: لكن حكمه بحسب تجلى الحق ظاهر للخلق (إذا ما تجلى للعيون ترده * عقول ببرهان عليه تثابر)